أن يدعو عليهم ينصرف لسانه إلى الدعاء لهم، وإذا أراد أن يدعو لقومه انقلب الدعاء عليهم، فقالوا له في ذلك، فقال: هذا شئ غلبنا الله عليه، واندلع لسانه (1) فوقع على صدره فقال لهم:
الآن قد ذهبت مني الدنيا والآخرة، ولم يبق إلا المكر والحيلة، وأمرهم أن يزينوا النساء ويعطوهن السلع (2) للبيع، ويرسلوهن إلى العسكر، ولا تمنع امرأة نفسها ممن يريدها، وقال: إن زنى منهم رجل واحد كفيتموهم، ففعلوا ذلك ودخل النساء عسكر بني إسرائيل فأخذ زمري بن شلوم وهو رأس سبط شمعون بن يعقوب امرأة وأتى بها موسى فقال له:
أظنك تقول: إن هذا حرام! فوالله لا نطيعك، ثم أدخلها خيمته فوقع عليها، فأنزل الله عليهم الطاعون، وكان فنحاص بن العيزار بن هارون (3) صاحب أمر عمه موسى غائبا، فلما جاء رأى الطاعون قد استقر في بني إسرائيل وأخبر الخبر وكان ذا قوة وبطش فقصد زمري فرآه وهو مضاجع المرأة فطعنهما بحربة بيده (4) فانتظمهما، ورفع الطاعون، وقد هلك في تلك الساعة عشرون ألفا، وقيل: سبعون ألفا، فأنزل الله في بلعم: " واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين ".
ثم إن موسى قدم يوشع بن نون إلى أريحا في بني إسرائيل فدخلها، وقتل بها الجبارين، وبقيت منهم بقية وقد قاربت الشمس الغروب، فخشي أن يدركهم الليل فيعجزوه فدعا الله تعالى أن يحبس عليه الشمس ففعل وحبسها حتى استأصلهم، ودخلها موسى، فأقام بها ما شاء الله أن يقيم، وقبضه الله تعالى إليه لا يعلم بقبره أحد من الخلق، وأما من زعم أن موسى كان توفي (5) قبل ذلك فقال: إن الله تعالى أمر يوشع بالمسير إلى مدينة الجبارين، فسار ببني إسرائيل ففارقه رجل منهم يقال له بلعم بن باعور، وكان يعرف الاسم الأعظم، وساق من حديثه نحو ما تقدم، فلما ظفر يوشع بالجبارين أدركه المساء ليلة السبت فدعا الله تعالى فرد الشمس عليه، وزاد في النهار ساعة (6) فهزم الجبارين،