الله تعالى: " وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث " وقال: كانت امرأة أيوب تكتسب له وتعمل للناس وتجيئه بقوته، فلما طال عليها البلاء وسئمها الناس فلم يستعملها التمست له يوما من الأيام ما تطعمه فما وجدت شيئا، فجزت قرنا من رأسها فباعته برغيف فأتته به، فقال لها: أين قرنك؟ فأخبرته فقال عند ذلك: " مسني الضر ".
وقيل: إنما قال ذلك حين قصدت الدود قلبه ولسانه فخشي أن يبقى خاليا عن الذكر والفكر; وقيل: إنما قال ذلك حين وقعت دودة من فخذه فرفعها وردها إلى موضعها فقال لها: قد جعلني الله طعامك، فعضته عضة زاد ألمها على جميع ما قاسى من عض الديدان.
وقال عبد الله بن عبيد الله بن عمير: (1) كان لأيوب عليه السلام أخوان فأتياه فقاما من بعيد لا يقدران الدنو منه من ريحه، فقال أحدهما لصاحبه: لو كان الله تعالى علم في أيوب خيرا ما ابتلاه بما نرى، قال: فلم يسمع أيوب شيئا كان أشد عليه من هذه الكلمة، وما جزع من شئ أصابه جزعه من تلك الكلمة، فعند ذلك قال: " مسني الضر " ثم قال: اللهم إنك تعلم (2) أني لم أبت ليلة شبعان قط وأنا أعلم مكان جائع، فصدقني، فصدق و هما يسمعان، ثم قال: اللهم إن كنت تعلم أني لم أتخذ قميصي قط وأنا أعلم مكان عار فصدقني، فصدق وهما يسمعان، فخر ساجدا. وقيل: معناه: مسني الضر من شماتة الأعداء، يدل عليه ما روي أنه قيل بعد ما عوفي: ما كان أشد عليك في بلائك؟ قال:
شماتة الأعداء.
قوله تعالى: " فكشفنا ما به من ضر وآتيناه أهله ومثلهم معهم رحمة " اختلف العلماء في كيفية ذلك، فقال: (3) إنما أتى الله أيوب في الدنيا مثل أهله الذين هلكوا، فأما الذين هلكوا فإنهم لم يردوا عليه في الدنيا، وإنما وعد الله تعالى أيوب أن يؤتيه إياهم في الآخرة. قال وهب: كان له سبع بنات وثلاثة بنين; وقال آخرون: بل ردهم الله تعالى