الحمد لله المحتجب بالنور (1) دون خلقه في الأفق الطامح، والعز الشامخ، والملك الباذخ، فوق كل شئ علا، ومن كل شئ دنا، فتجلى لخلقه من غير أن يكون يرى، وهو يرى وهو بالمنظر الأعلى، فأحب الاختصاص بالتوحيد إذا احتجب بنوره، وسما في علوه، و استتر عن خلقه، (2) لتكون له الحجة البالغة، وانبعث فيهم (3) النبيين مبشرين و منذرين ليهلك من هلك عن بينة، ويحيى من حي عن بينة، وليعقل العباد عن ربهم ما جهلوا، وعرفوه بربوبيته بعد ما أنكروا، ويوحدوه بالإلهية بعد ما أضدوه. (4) بيان: المحتجب بالنور أي بكونه نورا "، أي مجردا " لا تدركه الحواس والعقول فليس حجابه إلا تقدسه وكماله. والطامح والشامخ: المرتفع. والباذخ: العالي، والفقرات الثلاث كنايات عن أنه تعالى أرفع من أن يدرك بالحواس والأوهام والعقول.
فوق كل شي علا أي قدرة وشرفا ". ومن كل شئ دنا أي لطفا وجودا " ورحمة وتربية. فتجلى أي ظهر لخلقه بإظهار جوده وقدرته وعلمه في كل شئ. والمنظر:
الموضع المرتفع الذي ينظر إليه، أي هو بمحل من الرفعة والعلو هو أعلى من أن يدركه أبصار العقول، فأحب واقتضى حكمته البالغة أن يعرفه خلقه بالتوحيد ويخصوه به، ولم يكن ذلك ممكنا " إلا بإرسال الرسل لما قد تمهد من كمال علوه ونهاية سموه وانحطاط درجة المكلفين وجهلهم وعجزهم، فلذا جعل بينه وبين خلقه سفراء يفيض عليهم من جهة كمالهم، ويفيضوا على الخلق من جهة بشريتهم ومجانستهم لهم. وقد أوردنا تحقيق ذلك على وجه أبسط في الفوائد الطريفة.
36 - تفسير العياشي: عن الثمالي، عن أبي جعفر عليه السلام قال: كان ما بين نوح من الأتقياء