عملتما لي قويتكما، وإن تعرضتما لرضاي تسارعت إلى رضاكما، وإن خفتما مني آمنتكما من سخطي، قال: فبكيا عند ذلك وقالا: ربنا فأعنا على صلاح أنفسنا وعلى العمل بما يرضيك عنا، قال الله لهما: إذا عملتما سوءا فتوبا إلي منه أتب عليكما وأنا الله التواب الرحيم.
قال: فأهبطنا برحمتك إلى أحب البقاع إليك، قال: فأوحى الله إلى جبرئيل: أن أهبطهما إلى البلدة المباركة مكة، قال: فهبط بهما جبرئيل فألقى آدم على الصفا، وألقى حواء على المروة، قال: فلما ألقيا قاما على أرجلهما ورفعا رؤوسهما إلى السماء وضجا بأصواتهما بالبكاء إلى الله تعالى وخضعا بأعناقهما، قال: فهتف الله بهما: ما يبكيكما بعد رضاي عنكما؟
قال: فقالا: ربنا أبكتنا خطيئتنا، وهي أخرجتنا عن جوار ربنا، وقد خفي عنا تقديس ملائكتك لك ربنا، وبدت لنا عوراتنا واضطرنا ذنبنا إلى حرث الدنيا ومطعمها ومشربها، ودخلتنا وحشة شديدة لتفريقك بيننا، قال: فرحمهما الرحمن الرحيم عند ذلك وأوحى إلى جبرئيل: أنا الله الرحمن الرحيم، وأني قد رحمت آدم وحواء لما شكيا إلي فاهبط عليهما بخيمة من خيام الجنة، وعزهما (1) عني بفراق الجنة، واجمع بينهما في الخيمة فإني قد رحمتهما لبكائهما ووحشتهما ووحدتهما، وانصب لهما الخيمة على الترعة التي بين جبال مكة، قال: والترعة مكان البيت وقواعده التي رفعتها الملائكة قبل ذلك، فهبط جبرئيل على آدم بالخيمة على مقدار أركان البيت (2) وقواعده فنصبها، قال: وأنزل جبرئيل آدم من الصفا وأنزل حواء من المروة وجمع بينهما في الخيمة، قال:
وكان عمود الخيمة قضيب ياقوت أحمر فأضاء نوره وضوؤه جبال مكة وما حولها، قال: وامتد ضوء العمود (3) فجعله الله حرما فهو مواضع الحرم اليوم، كل ناحية من حيث بلغ ضوء العمود فجعله الله حرما لحرمة الخيمة والعمود لأنهما من الجنة، (4) قال: ولذلك جعل الله الحسنات في الحرم مضاعفة والسيئات فيه مضاعفة، قال: ومدت أطناب الخيمة حولها