نسبح بحمدك ونقدس لك " حال مقررة لجهة الإشكال، وكأنهم علموا أن المجعول خليفة ذو ثلاث قوى عليها مدار أمره: شهوية وغضبية تؤديان به إلى الفساد وسفك الدماء، و عقلية تدعوه إلى المعرفة والطاعة، ونظروا إليها مفردة وقالوا: ما الحكمة في استخلافه وهو باعتبار تينك القوتين لا تقتضي الحكمة إيجاده فضلا " عن استخلافه؟ وأما باعتبار القوة العقلية فنحن نقيم بما يتوقع منها سليما " عن معارضة تلك المفاسد، وغفلوا عن فضيلة كل واحدة من القوتين إذا صارت مهذبة مطواعة للعقل متمرنة على الخير كالعفة والشجاعة ومجاهدة الهوى والإنصاف، ولم يعلموا أن التركيب يفيد ما يقصر عنه الآحاد كالإحاطة بالجزئيات، واستنباط الصناعات، واستخراج منافع الكائنات من القوة إلى الفعل الذي هو المقصود من الاستخلاف، وإليه أشار تعالى إجمالا " بقوله: " قال إني أعلم ما لا تعلمون " والتسبيح تبعيد الله عن السوء، وكذلك التقديس، و " بحمدك " في موضع الحال، أي متلبسين بحمدك على ما ألهمتنا معرفتك ووفقتنا لتسبيحك " وعلم آدم الأسماء كلها " إما بخلق علم ضروري بها فيه، أو إلقاء في روحه، ولا يفتقر إلى سابقة اصطلاح ليتسلسل، والاسم:
ما يكون علامة " للشئ ودليلا يرفعه إلى الذهن من الألفاظ والصفات والأفعال، واستعماله عرفا في اللفظ الموضوع لمعنى، سواء كان مركبا " أو مفردا مخبرا " عنه أو خبرا " أو رابطة بينهما، واصطلاحا " في المعنى المعروف، والمراد في الآية إما الأول أو الثاني وهو يستلزم الأول، لأن العلم بالألفاظ من حيث الدلالة متوقف على العلم بالمعاني، والمعنى أنه تعالى خلقه من أجزاء مختلفة، وقوى متباينة، مستعد الإدراك أنواع المدركات من المعقولات والمحسوسات والمتخيلات والموهومات، وألهمه معرفة ذوات الأشياء وخواصها وأسمائها وأصول العلم وقوانين الصناعات وكيفية آلاتها " ثم عرضهم على الملائكة " الضمير للمسميات المدلول عليها ضمنا " فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء " تبكيت لهم (1) وتنبيه على عجزهم عن أمر الخلافة فإن التصرف والتدبير وإقامة المعدلة قبل تحقق المعرفة والوقوف على مراتب الاستعدادات وقدر الحقوق محال، وليس بتكليف ليكون من باب التكليف بالمحال " إن كنتم صادقين " في زعمكم أنكم أحقاء بالخلافة لعصمتكم، أو أن خلقهم واستخلافهم وهذه صفتهم لا يليق