كنتم صادقين " في قولكم: إني افتريته، فهذا غاية ما يمكن في التحدي والمحاجة، وفيه الدلالة الواضحة على إعجاز القرآن، لأنه إذا ثبت أن النبي صلى الله عليه و آله تحداهم به وأوعدهم بالقتل والأسر بعد أن عاب دينهم وآلهتهم وثبت أنهم كانوا أحرص الناس على إبطال أمره حتى بذلوا مهجهم وأموالهم في ذلك، فإذا قيل لهم: افتروا أنتم مثل هذا القرآن وأدحضوا حجته فذلك أيسر وأهون عليكم من كل ما تكلفتموه فعدلوا عن ذلك وصاروا إلى الحرب والقتل وتكلف الأمور الشاقة فذلك من أدل الدلائل على عجزهم، إذ لو قدروا على معارضته مع سهولة ذلك عليهم لفعلوه، لان العاقل لا يعدل عن الامر السهل إلى الصعب الشاق مع حصول الغرض بكل واحد منهما، فكيف ولو بلغوا غاية أمانيهم في الامر الشاق وهو قتله عليه السلام لكان لا يحصل غرضهم، من إبطال أمره فإن المحق قد يقتل.
فإن قيل: لم ذكر التحدي مرة بعشر سور، ومرة بسورة، ومرة بحديث مثله؟ فالجواب أن التحدي إنما يقع بما يظهر فيه الاعجاز من منظور الكلام، فيجوز أن يتحدى مرة بالأقل، ومرة بالأكثر " فإن لم يستجيبوا لكم " قيل: إنه خطاب للمسلمين، وقيل: للكفار، أي فإن لم يستجب لكم من تدعونهم إلى المعاونة، وقيل: للرسول صلى الله عليه وآله، وذكره بلفظ الجمع تفخيما. (1) وفي قوله: " ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا " أي إن هذه الأخبار لم تكن تعلمها أنت ولا قومك من العرب يعرفونها من قبل إيحائنا إليك، لأنهم لم يكونوا من أهل كتاب وسير. (2)