بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٩ - الصفحة ١٠٠
وفي قوله: " قال الذين لا يرجون لقاءنا " أي لا يؤمنون بالبعث والنشور " ائت بقرآن غير هذا " الذي تتلوه علينا " أو بدله " فاجعله على خلاف ما تقرؤه، والفرق بينهما أن الاتيان بغيره قد يكون معه، وتبديله لا يكون إلا برفعه، وقيل: معنى قوله: " بدله " غير أحكامه من الحلال والحرام، أرادوا بذلك زوال الحظر عنهم و سقوط الامر منهم وأن يخلى بينهم وبين ما يريدون " ولا أدراكم به " أي ولا أعلمكم الله به بأن لا ينزله علي " فقد لبثت فيكم عمرا من قبله " أي أقمت بينكم دهرا طويلا من قبل إنزال القرآن فلم أقرأه عليكم ولا ادعيت نبوة حتى أكرمني الله به " و يقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله " أخبر سبحانه عن هؤلاء الكفار أنهم قالوا: إنا نعبد هذه الأصنام لتشفع لنا عند الله، وإن الله أذن لنا في عبادتها، وأنه سيشفعها فينا في الآخرة، وتوهموا أن عبادتها أشد في تعظيم الله سبحانه من قصده تعالى بالعبادة، فجمعوا بين قبيح القول وقبيح الفعل وقبيح التوهم، وقيل: معناه هؤلاء شفعاؤنا في الدنيا لاصلاح معاشنا، عن الحسن، قال: لأنهم كانوا لا يقرون بالبعث بدلالة قوله تعالى: " وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت ". (1) " قل أتنبؤن الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض " أي تخبرون الله بما لا يعلم من حسن عبادة الأصنام وكونها شافعة، لان ذلك لو كان صحيحا لكان تعالى به عالما، ففي نفي علمه بذلك نفي المعلوم. (2) وفي قوله تعالى: " فسيقولون الله " فيها دلالة على أنهم كانوا يقرون بالخالق وإن كانوا مشركين، فإن جمهور العقلاء يقرون بالصانع سوى جماعة قليلة من ملحدة الفلاسفة، ومن أقر بالصانع على هذا صنفان: موحد يعتقد أن الصانع واحد لا يستحق العبادة غيره، ومشرك وهم ضربان: فضرب جعلوا لله شريكا في ملكه يضاده ويناويه وهم الثنوية والمجوس، ثم اختلفوا فمنهم من يثبت لله شريكا قديما كالمانوية، ومنهم من يثبت لله شريكا محدثا كالمجوس، وضرب آخر لا يجعل لله شريكا في حكمه

(١) النحل: ٣٨.
(2) مجمع البيان 5: 97 - 98.
(١٠٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 95 96 97 98 99 100 101 102 103 104 105 ... » »»
الفهرست