أمير المؤمنين صلوات الله عليه مسير طلحة، والزبير، وعائشة من مكة إلى البصرة، نادى: الصلاة جامعة، فلما اجتمع الناس حمد الله وأثنى عليه.
ثم قال: أما بعد فإن الله تبارك وتعالى لما قبض نبيه صلى الله عليه وآله وسلم قلنا: نحن أهل بيته وعصبته، وورثته، وأوليائه، وأحق خلائق الله به، لا تنازع حقه وسلطانه، فبينما نحن على ذلك، إذ نفر المنافقون، فانتزعوا سلطان نبينا صلى الله عليه وآله منا، وولوه غيرنا، فبكت لذلك والله العيون والقلوب منا جميعا، وخشنت والله الصدور، وأيم الله لولا مخافة الفرقة بين المسلمين أن يعودوا إلى الكفر، ويعور الدين لكنا قد غيرنا ذلك ما استطعناه، وقد ولى ذلك ولاة ومضوا لسبيلهم، ورد الله الامر إلينا وقد بايعاني (1)، وقد نهضا إلى البصرة ليفرقا جماعتكم، ويلقيا بأسكم بينكم، اللهم فخذهما بغشهما بهذه الأمة، وسوء نظرهما للعامة.
فقام أبو الهيثم بن التيهان رحمه الله، فقال: يا أمير المؤمنين إن حسد قريش إياك على وجهين: أما خيارهم فحسدوك منافسة في الفضل، وارتفاعا في الدرجة، وأما شرارهم فحسدوك حسدا أحبط الله به أعمالهم، وأثقل به أوزارهم، وما رضوا أن يساووك حتى أرادوا أن يتقدموك، فبعدت عليهم الغاية، وأسقطهم المضمار، وكنت أحق قريش بقريش، نصرت نبيهم حيا، وقضيت عنه الحقوق ميتا، والله ما بغيهم إلا على أنفسهم، ونحن ناصروك وأعوانك، فمرنا بأمرك، ثم أنشأ يقول:
إن قوما بغوا عليك وكادوك * وعابوك بالأمور القباح ليس من عيبها جناح بعوض * فيك حقا ولا كعشر جناح أبصروا نعمة عليك من الله * وقرما (2) يدق قرن النطاح وإماما تأوى الأمور إليه * ولجاما يلين غرب (3) الجماح