وانه كان (1) ليعمل عمل رجل كان وجهه بين الجنة والنار، يرجو ثواب هذه، ويخاف عقاب هذه، ولقد أعتق من ماله الف مملوك في طلب وجه الله والنجاة من النار مما كد بيده، ورشح منه جبينه.
وإن كان ليقوت أهله بالزيت والخل والعجوة، وما كان لباسه الا الكرابيس إذا فضل شئ عن يده من كمه دعا بالجلم فقصه، وما أشبهه من ولده ولا أهل بيته أحد أقرب شبها به في لباسه وفقهه من علي بن الحسين عليهما السلام ولقد دخل أبو جعفر عليه السلام ابنه عليه، فإذا هو قد بلغ من العبادة ما لم يبلغه أحد، فرآه قد اصفر لونه من السهر، ورمضت عيناه من البكاء، ودبرت جبهته، وانخرم انفه من السجود، وورمت ساقاه وقدماه من القيام إلى الصلاة.
فقال أبو جعفر عليه السلام: فلم أملك، حين رايته بتلك الحال البكاء، فبكيت رحمة عليه، وإذا هو يفكر، فالتفت (2) بعد هنيئة من دخولي فقال يا بنى اعطني بعض تلك الصحف التي فيها عبادة علي بن أبي طالب عليه السلام، فأعطيته فقرا فيها شيئا يسيرا، ثم تركها من يده تضجرا، وقال عليه السلام: من يقوى على عبادة علي عليه السلام (3)؟!
16 - ابن بابويه قال: حدثنا صالح بن عيسى العجلي (4)، قال حدثنا محمد بن علي بن علي قال: حدثنا محمد بن مندة الأصفهاني (5)، قال: حدثنا محمد بن حميد (6)، قال: حدثنا جرير (7)، عن الأعمش، عن أبي سفيان (8)،