الحال بينهم ظاهرا إلى أن عزل الوزير ولم يتعرض للنقيب زكى الدين ولا لابنه إلا بالخير.
وكان مزيد الخشكري الشاعر قد هجا النقيب جلال الدين وذكر ظلمه وعسفه وذكر الهور الذي قدمنا ذكره وأهله بقصيدة طويلة منها.
وكأنما الهور الطفوف وأهله * الشهداء وابن معية ابن زياد وحذر من النقيب وأقسم ليقتله إن ظفر به واختبأ مزيد الخشكري وإنما كان قد تجرأ على هجو النقيب ظنا أن الوزير يستأصله وأباه إما بالقتل أو بأن يهربا إلى اليمن كعادتهما، وكانا قد هربا قبل ذلك وهرب معهما قوم من أهلهما فأقاما بالبادية تارة بمكة أخرى وباليمن أوقاتا حتى استمال الخليفة الزكي الثالث فرجع إلى العراق. فظن ابن الخشكري أن ما يقوله الوزير سيفعله البتة فلما صلح أمر النقيب جلال الدين مع الوزير خاف ابن الخشكري خوفا شديدا ولم يجد من يجيره من النقيب فدخل عليه ذات يوم وهو متلثم فسفر عن لثامه ولم يكن النقيب رآه ولا عرفه قبل ذلك وأنشده قصيدته التي أولها:
سعود تدوم بشرب المدام * ببنت الكروم مع ابن الكرام حسونا بكأس وطاس وجام * غدونا بنون وخاء ولام فلما أتم القصيدة قال له النقيب - وكان قد سمع شعره قبل ذلك -: انى لاسمع نفس مزيد. قال: إذا هو. ففكر النقيب ساعة وكان قد كتب إلى الخليفة الناصر لدين الله ضراعة بارسال عشرة آلاف دينار ذهبا في عشرة أكياس فأمر باخلاء كيس ودفع ما فيه إلى مزيد الخشكري وجعل القصيدة في الكيس وختم عليها، فما نظر الخليفة إلى قوله ضحك وأمر باجرائها له وطلب مزيد الخشكري فأمر له بجائزة أخرى ومدح مزيد الخليفة وصار مزيد من شعراء الخلافة والأصل في ترتيبه قوله. (فكأنما الهور الطفوف) إلى آخره، وكان الناصر كثيرا ما ينشد هذا البيت ويضحك.