فعرفه أن الرضا عليه السلام قد فرغ من جهازه. قال: فمضيت نحو الباب فالتفت فلم أره!
فلم يدخل من باب، ولم يخرج من باب، قال: وإذا المأمون قد وافى، فلما رآني قال:
ما فعل الرضا؟ قلت: أعظم الله أجرك في الرضا. فنزل وخرق (1) ثيابه، وسفى (2) التراب على رأسه، وبكى طويلا، ثم قال: خذوا في جهازه. قلت: قد فرغ منه.
قال: ومن فعل به ذلك؟ قلت: غلام وافاه لم أعرفه إلا أني ظننته ابن الرضا عليه السلام.
قال: فاحفروا له في القبة. قلت: فإنه يسألك أن تحضر موضع الحفرة (3). قال: نعم أحضروا كرسيا. فجلس عليه، وأمر أن يحفر له عند الباب، فخرجت الصخرة، فأمر بالحفر في يمنة القبة، فخرجت النبكة، ثم أمر بذلك في يسرتها فظهرت النبكة الأخرى فأمر بالحفر في الصدر فاستمر الحفر.
فلما فرغ منه، وضعت يدي على أسفل القبر، وتكلمت بالكلمات، فنبع الماء وظهرت السميكات، ففتت لها كسرة خبز فأكلتها، ثم ظهرت السمكة الكبيرة فابتلعتها كلها وغابت، فوضعت يدي على الماء، وأعدت الكلمات فنضب الماء كله وانتزعت الكلمات من صدري من ساعتي، فلم أذكر منها حرفا واحدا.
فقال المأمون: يا أبا الصلت، الرضا عليه السلام أمرك بهذا؟ قلت: نعم.
قال: فما زال الرضا يرينا العجائب في حياته، ثم أراناها بعد وفاته.
فقال للوزير: ما هذا؟ قال: ألهمت أنه ضرب لكم مثلا بأنكم تتمتعون في الدنيا قليلا مثل هذه السميكات، ثم يخرج واحد منهم فيهلككم.
فلما دفن عليه السلام قال لي المأمون: علمني الكلمات. قلت: والله انتزعت من قلبي فما أذكرها منها حرفا، وبالله لقد صدقته، فلم يصدقني، وتوعدني بالقتل إن لم أعلمه إياها وأمر بي إلى الحبس، فكان في كل يوم يدعوني إلى القتل أو تعليمه ذلك، فأحلف له مرة بعد أخرى، كذلك سنة فضاق صدري، فقمت ليلة جمعة فاغتسلت، وأحييتها