الخرائج والجرائح للفقيه المحدث والمفسر الكبير قطب الدين الراوندي قدس سره المتوفي سنة 573 هجرية مزاره بصحن الحضرة الفاطمية قم المقدسة الجزء الأول في معجزات النبي والأئمة عليهم السلام تحقيق ونشر مؤسسة الإمام المهدي عليه السلام قم المقدسة بسم الله الرحمن الرحيم تقديم:
الحمد لله الذي يروي وجود نظام حقائق الكون ونواميس الحياة المحكمة، وجوب وجوده وسعة علمه وقدرته اللامتناهية، كما تروي آيات ذكره الحكيم نزرا من أنباء الغيب، وبعضا من أحاديث معجزات أنبيائه ورسله الإلهية.
وأكمل صلواته على أمين وحيه، وخاتم سفرائه، محمد رسول الله، وعلى آله المصطفين الذين أورثهم الله كتاب وحيه، وجعلهم مجاري أمره، ومجالي آياته ومعجزاته، فبعثوا الفقهاء امناء على حفظ أحاديث معجزات رسول الله والأئمة الاثني عشر من آله وروايتها.
وبعد: فمن الذين حفظوا عنهم عليهم السلام مواريث النبوة في صحائفهم وكتبهم شيخنا الأقدم مؤلف هذا الكتاب " قطب الدين الراوندي، قدس سره ".
فإنه أودع في سفره القيم هذا كتاب " الخرائج والجرائح " لمعا من الأحاديث في معجزات النبي والأئمة عليهم السلام وأعلامهم ودلائلهم (تسننا) بما قال جل وعلا: " نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين ".
وليكون هذا بصائر للناس، وليستيقن الذين أوتوا العلم بما يتفكرون في آياته، وليؤمنوا بالغيب: " بالله وملائكته ووحيه وكتبه ورسله ويوم لقائه "، وليعلم الذين سعوا في آيات الله معاجزين أنه ما كان الله ليعجزه شئ في السماوات ولا في الأرض.
مفهوم الاعجاز:
هنا لابد من الإشارة إلى معنى الاعجاز، فهو مطلقا: اتيان شئ وإيجاد ما يعجز عنه غير فاعله، كما أشار إليه تعالى في قوله: " إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له " و " قل لئن اجتمعت الجن والإنس على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا ".
فعلى هذا كان الاعجاز المطلق خاصا بالله القادر الذي بيده ملكوت كل شئ وهو بكل خلق عليم، وعن كل سبب غني، لا يعجزه شئ مما في السماوات والأرض، وليس كمثله شئ فإن له الخلق والامر، يقول - أو يأذن لصفيه ورسوله أن يقول - لشئ: " كن. فيكون ".
علما بأنه ليس من الاعجاز اتيان شئ بأسبابه الطبيعية العادية أو الرياضية حين تتكامل الصنعة في شتى العلوم المعاصرة أو المستقبلة، فإن التقدم في اكتشاف نواميس الطبيعة وحل رموزها التي فطرها الله تعالى، وقدر فيها أقواتها، أو استخدام القوى والأسباب في الصنائع البديعة، ليس في حقيقته اعجازا، بل فضلا لمكتشفه أو صانعه من بين أقرانه.