ثم نظر إلي وقال: " يا يحيى، اقضوا وطركم من المدينة في هذا اليوم، واعمل على الرحيل غدا " في هذا الوقت ".
قال: فخرجنا وإنما بيننا وبين العراق مسيرة عشرة أيام، فما يصنع بهذه الثياب؟! ثم قلت في نفسي: هذا رجل لم يسافر، وهو يقدر (1) أن كل سفر يحتاج فيه إلى هذه الثياب، والعجب من الرافضة حيث يقولون بإمامة هذا مع فهمه. فعدت إليه في الغد في ذلك الوقت، فإذا الثياب قد أحضرت، فقال لغلمانه: " ادخلوا، وخذوا لنا معكم لبابيد وبرانس " ثم قال: " ارحل يا يحيى " فقلت في نفسي:
هذا أعجب من الأول، أيخاف أن يلحقنا الشتاء في الطريق حتى يأخذ معه اللبابيد والبرانس ".
فخرجت وأنا أستصغر فهمه حتى إذا وصلنا إلى مواضع المناظرة في القبور ارتفعت سحابة، واسودت وأرعدت وأبرقت حتى إذا صارت على رؤوسنا أرسلت بردا من الصخور، وقد شد على نفسه وغلمانه الخفاتين، ولبسوا اللبابيد والبرانس وقال لغلمانه: " ارفعوا إلى يحيى لبادة، وإلى الكاتب برنسا " وتجمعنا والبرد يأخذنا حتى قتل من أصحابي ثمانون رجلا، وزالت، ورجع الحر كما كان.
فقال لي: " يا يحيى، أنزل من بقي من أصحابك ليدفن من مات، فهكذا يملا الله هذه البرية قبورا ".
قال: فرميت نفسي عن الدابة واعتذرت إليه، وقبلت ركابه ورجله، وقلت: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا " رسول الله، وأنكم خلفاء الله في أرضه، وقد كنت كافرا " وإني الان أسلمت على يديك يا مولاي.
قال: فتشيعت، ولزمت خدمته إلى أن مضى.