كنز الفوائد - أبو الفتح الكراجكي - الصفحة ٥٢
لك رأى المعتزلة في هذا (فصل) من الكلام في الأصلح وقد اشتهر عن المعتزلة انها من أهل العدل وذلك لقولها ان الله تعالى لا يكلف العبد إلا ما يستطيع ولها مع ذلك قول تنسب الله عز وجل فيه إلى الامر القبيح وتضاد به ما أوجبه الدليل من وصفه بالحسن الجميل وهو ما ذهب إليه الجبائي وابنه عبد السلام ومن وافقها وهم اليوم أكثر المعتزلة من أن الله تعالى وإن كان عدلا كريما فإنه لا يفعل بخلقه الأصلح ولا يتفضل عليهم بالأنفع وانه يقتصر بهم من النفع والصلاح على نهاية غيرها أفضل منها وأصلح مع حاجتهم إلى ما يمنعهم إياه من الصلاح أو فقرهم إلى المنافع التي حرمهم إياها من الانعام والاحسان وهو قادر على ما يحتاجون إليه ومع ذلك هو غني عن منعه عالم بحسن بذله وفعله والعباد يتضرعون إليه في التفضل عليهم به فلا يرحم تضرعهم ويسألونه المنة بفعله فلا يجيبهم ويرجونه منه فيخيب رجاءهم ويتمنون من فعله فلا يهب لهم مناهم تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا والذي نذهب في ذلك إليه مما وافقنا البلخي فيه هو ان الله سبحانه متفضل على جميع خلقه بنهاية مصالحهم متطول عليهم بغاية منافعهم لا يسألونه صلاحا إلا أعطاهم ولا يلتمسون منه ما يعلم أنه لهم أنفع إلا فعله بهم ولا يمنعهم إلا مما يضرهم ولا يصدهم إلا عما يفسدهم ولا يحول بينهم وبين شئ يصلحهم وانه لا يقضي عليهم بشئ يسرهم أو يسوؤهم الا وهو خير لهم وأصلح مما صرفه عنهم والذي يدل على ذلك هو ما ثبت من أن الله تعالى عالم بقبح القبيح وغنى عن فعله لا يجبر على الحسن ولا يحتاج إلى منعه وانه مستحق للوصف بغاية الجود ومنفي عنه البخل والتقصير خلق الخلق لمنافعهم واخترعهم لمصالحهم فلو منعهم صلاحا لناقض ذلك الغرض في خلقهم ولم يكن مانعا نفعا هو قادر عليه عالم بحسنه إلا لحاجة إليه أو للبخل به أو الافتقار في صنعه وذلك كله منفي عن الله سبحانه ومما يدل على صحة ما ذهبنا إليه انا وجدنا الحكيم إذا كان آمرا بطاعته فلن يجوز ان يمنع المأمور ما به يصل إليها إذا كان قادرا على أن يعطيه إياه وكان بذله له لا يضره ولا يخرجه من استحقاق الوصف بالحكمة ومنعه لا ينفعه وكذلك إذا كان له عدو يدعوه إلى موالاته ويحب رجوعه إلى طاعته فلن يجوز ان يعامله من الغلظة أو اللين إلا مما يعلم أنه أنجع فيما يريده منه وادعى له إلى ترك ما هو فيه من عداوته والرجوع إلى ولايته فإن عرض له امران من الشدة والغلظة أو الملاطفة والملاينة يعلم أن أحدهما ادعى لعدوه إلى المراجعة والإنابة والآخر دون ذلك ففعل الدون وترك ان يفعل الأصلح الادعاء وكلاهما في قدرته عليهما سواء ولا يضره بذلهما ولا ينفعه منعهما كان عند الحكماء جميعا مذموما خارجا من
(٥٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 ... » »»