كنز الفوائد - أبو الفتح الكراجكي - الصفحة ٣
الصانع قديمان لم يزالا تعالى الله الذي لا قديم سواه وله الحمد على ما أسداه من معرفه الحق وأولاه وانا بعون الله اورد لك طرفا من الأدلة على بطلان ما أدعاه الملحدون وفساد ما تخيله الدهريون (دليل) فما يدل على أن الحوادث الماضية لا بد لها من أول اننا في كل وقت من أوقات زماننا بين آخر ماضيها وأول مستقبلها فقد علمنا لا محالة آخر ما مضى هو أحد طرفيه ثم نحن نعلم علما لا نشك فيه انما يأتي من مستقبل الحوادث إلى مائة سنة يكثر عدد الماضي ويزيد فيه فمعلوم انه قبل الزيادة أقل عددا منه إذ انضمت إليه وهذا يدل على تناهى عدد ما مضى وحصر طرفيه لأنه لو كان لا نهاية له لم تتصور العقول دخول التكثر فيه وقد صح بما بيناه ان الحوادث الماضية تصير إلى مائة سنة أكثر عددا مما هي اليوم عليه فبان بهذا تناهيها وصح أولها كما صح آخرها ويبطل مقال الدهرية فيها (معارضة) وقد قال الملحدون ان جميع ما ذكرتموه في الماضي عائد عليكم في المستقبل لأنكم تقولون ان أفعال الله تعالى المستقبلة لا آخر لها ومع هذا فقد علمتم أولها وهو أحد طرفيها فيجب ان يكون ما يوجد إلى مائة سنة ينقص منها وإذا دخل النقصان فيها دل على تناهيها وانحصار طرفيها (انفصال) فيقال لهم بين الماضي والمستقبل في ذلك فرق وهو ان الحوادث الماضية ليس منها إلا ما كان موجودا قبل مضيه فقد شمل جميعها حكم الوجود فوجب ان يزيد فيها كل ما يخرج إلى الوجود وليس المستقبل كذلك لأنها لم توجد وإنما هي في امكان الفاعل فلا يصح فيها النقض ولا سبيل إلى القول فيها بالتناهي (دليل آخر) على تناهى ما مضى وهو انه قد مضت أيام وليال ووقفنا اليوم عند آخرها فلا يخلوا أن تكون الأيام أكثر عددا من الليالي أو الليالي أكثر من الأيام أو يكونا في العدد سواء فإن كانت الأيام أكثر من الليالي تناهت الليالي لأنها أقل منها واقتضى ذلك تناهى الأيام أيضا لبطلان اتصالها قبل الليالي بغير ليال بينها فوجب على هذا الوجه تناهيهما معا وإن كانت الليالي أكثر من الأيام كان الحكم فيها نظير ما قدمنا من تناهى الأول فتناهى الأيام لزيادة الليالي عليها ويقتضي ذلك تناهى الليالي أيضا لفساد اتصالها قبل الأيام بغير أيام بينها فوجب على هذا الوجه الأخر تناهيهما معا وإن كانت الأيام و الليالي في العدد سواء كان بمجموعهما أكثر عددا من أحدهما بانفراده وهذا يشهد بتناهيهما إذ لو كان كل واحد منهما في نفسه غير متناه ما تصورت العقول عددا أكثر منه وقد علمنا أن الليالي مع الأيام جميعا
(٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « 1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 ... » »»