كنز الفوائد - أبو الفتح الكراجكي - الصفحة ٢٩٢
فإذا مات بكيا عليه وذلك قول الله تعالى * (فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين) * (فصل مما ذكر في تأويل قول الله عز وجل * (فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين) * الدخان (اعلم) ان هذه الآية نزلت في قوم فرعون الذين أهلكهم الله عز وجل وأورث أرضهم ونعمهم غيرهم وفيها وجوه من التأويل أحدها ما ورد به الخبر الذي قدمناه عن رسول الله صلى الله عليه وآله من ذكر البابين الذين لكل مؤمن يصعد من أحدهما عمله وينزل من الأخر رزقه وانهما يبكيان عليه بعد موته ومعنى البكاء هاهنا الاخبار عن الاختلال بعده كما يقال بكى منزل فلان بعده قال مزاحم العقيلي * بكت دارهم من اجلهم فتهلكت * دموعي فأي الجازعين ألوم * أمستعبرا يبكي من الهون والبلى * وآخر يبكي شجوه ويهيم * فإذا لم يكن لها ولا للقوم الذين أخبر الله تعالى ببوارهم مقام صالح في الأرض ولا عمل كريم يرفع إلى السماء جاز ان يقال فما بكت عليهم السماء والأرض وقد روى عن ابن عباس رحمه الله انه قيل له وقد سئل عن هذه الآية أو تبكي السماء والأرض على أحد فقال نعم مصلاه في الأرض ومصعد عمله في السماء والوجه الثاني من التأويل ان يكون تعالى أراد المبالغة في وصف القوم الذين أهلكهم بصغر القدر وسقوط المنزلة لأن العرب إذا أخبرت من عظم المصاب بالهالك قالت كسفت لفقده الشمس واظلم القمر وبكاه الليل و النهار والسماء والأرض يريدون بذلك المبالغة وعظم الامر وشمول المصيبة قال جرير يرثي عمر بن عبد العزيز * الشمس طالعة ليست بكاسفة * تبكي عليك نجوم الليل والقمرا * وفي انتصاب النجوم والقمر في هذا البيت ثلاثة وجوه أحدها انه أراد ان الشمس طالعة وليست مع طلوعها كاسفة نجوم الليل والقمر عظم الرزية قد سلبها ضوءها فلم يناف طلوعها ظهور الكواكب الوجه الثاني ان يكون انتصابها على معنى قوله لا أكلمك الأبد وطول المسند وما جرى مجرى ذلك فكأنه أخبر بان الشمس تبكيه ما طلعت النجوم وما ظهر القمر والوجه الثالث ان يكون نجوم الليل والقمر باكيين الشمس على هذا المفقود فبكتهن أي غلبتهن بالبكاء كما يقال باكاني عند الله فبكيته وكاثرني فكثرته اي فضلت عليه وغلبته والوجه الثالث من التأويل ان يكون الله تعالى أراد بقوله فما بكت عليهم السماء والأرض أهل السماء وأهل الأرض وحذف أهل كما قال عز وجل واسئل القرية وكما قال حين تضع الحرب أوزارها وإنما أراد أصحاب الحرب ويجري ذلك مجرى قولهم السخاء سخاء حاتم قال الشاعر * قليل عيبه والعيب جم * ولكن للغنى رب غفور * يريد ولكن الغنى غنى رب غفور
(٢٩٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 287 288 289 290 291 292 293 294 295 296 297 ... » »»