أغيب عنك ويريد اي لا اجهل ما تعمله ولا يخفي علي شئ منه ويقال ان الرجل في صلاته وفي بناء داره و ليس المراد انه متمكن أو حال فيها وإنما يريدون انه يفعلها ويدبرها فإن قيل وليس في القرآن ان له عرشا وكرسيا قلنا هو كذلك والعرش المذكور في القرآن على وجهين أحدهما تفسير قوله سبحانه * (الرحمن على العرش استوى) * وقد قال أهل العلم في ذلك ان العرش هنا هو الملك واستواؤه عليه هو استيلاؤه عليه بالقدرة والسلطان واستشهدوا في ذلك بشواهد منها قول الشاعر في ذكر العرش * وانه الملك إذا ما بنو مروان ثلث عروشهم * وأودوا كما أودت اياد وحمير * ومنها قول الأخر في ذكر الاستواء وانه الاستيلاء * إذا ما علونا واستوينا عليهم * تركناهم صرعى لنسر وكاسر * يريد بذلك الاستيلاء والقدرة عليهم والتمكن لهم بالقهر لهم والاخر تفسير قوله سبحانه * (ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية) * الحاقة فقد قال العلماء في ذلك ان هذا العرش بنية خلقها الله تعالى في سمائه وأمر الملائكة بحملها لا ليكون عليها تعالى الله عز وجل عن ذلك ولكن لما رآه من الصلاح في تعبدهم بحملها وتعظيمها كما أنه سبحانه تعبد بني آدم بتعظيم الكعبة في الطواف حولها وقال إنها بيته لا ليسكنها تعالى الله عن ذلك فاما الكرسي فالذي نذهب إليه فيه انه العلم روى ذلك عن العالم الإمام الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام قال وسع كرسيه السماوات والأرض يعنى علمه وقد روى أيضا في التفسير من طريق العامة عن ابن عباس ومجاهد والضحاك وغيرهم ومعنى الكلام دال عليه وأول الآية تقتضيه لأن الله تعالى أخبر عن علم فقال * (يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشئ من علمه إلا بما شاء وسع كرسيه السماوات والأرض) * البقرة فوصل ذكر الكرسي بذكر العلم على طريق الوصف له والإبانة عنه فكان كقوله في موضع آخر * (ربنا وسعت شئ علما ورحمة) * فإن قيل فما معنى رفعكم أيديكم نحو السماء في الدعاء وما معنى قوله سبحانه * (إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه) * فاطر قلنا الجواب عن ذلك انا إنما رفعنا أيدينا نسترزق من السماء لقوله الله تعالى * (وفي السماء رزقكم وما توعدون) * الذاريات وإنما جاز ان يقال إن الأعمال تصعد إلى الله تعالى لأن الملائكة الكرام حفظة الأعمال مسكنهم السماء وأيضا لأن السماء أشرف في الخلقة من الأرض
(٢٣٨)