فقد تضمنت الجملتان فائدتين مختلفتين وبان انتظام الكلام بغير تكرار (جواب آخر) وهو ان يكون المراد بلفظه أعبد في الجملة الأولى الزمان الحاضر فكأنه قال لا أعبد الان ما تعبدون ولا أنتم عابدون الان ما أعبد ويكون المراد بها في الجملة الثانية الزمان المستقبل فكأنه قال ولا انا عابد في المستقبل ما عبدتم ولا أنتم عابدون في المستقبل ما أعبد فلفظة أعبد على هذا الجواب وإن كانت في الجملتين بمعنى واحد وهو العبادة فقد اختلفت بما يراد بها من الزمان المختلف ولا شك في أن لفظة افعل تصلح للزمانين الحاضر والمستقبل وفي هذين الجوابين غنى وكفاية والحمد لله (واعلم) انه يجب ان يكون السؤال على هذا مختصا بخطاب من المعلوم من حاله انه لا يؤمن وقد ذكر انها نزلت في أبي جهل والمستهزئين وهم العاص بن وائل والوليد بن المغيرة والأسود بن المطلب والأسود بن عبد يغوث وعدي بن قيس ولم يؤمن منهم أحد فإن قال فما فما معنى قوله في السورة * (لكم دينكم ولي دين) * وظاهر هذا الكلام يقتضي اباحتهم المقام على أديانهم قلنا إن ظاهر الكلام وإن كان ظاهر الإباحة فإن المراد به الوعيد والمبالغة في الزجر والتهديد كما قال تعالى * (اعملوا ما شئتم) * وقال * (اجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا) * وقد قيل أيضا ان المعنى فيه لكم جزاء دينكم ولي جزاء ديني فحذف الجزاء من اللفظ لدلالة الكلام عليه وقيل إن الجزاء نفسه يسمى دينا قال الشاعر * إذا ما لقونا لقيناهم * ودناهم مثلما يقرضونا * أرادوا جزيناهم فيكون المعنى في قوله * (لكم دينكم ولي دين) * أي لكم جزاؤكم ولي جزائي (مسألة) فإن قال السائل فما وجه التكرار في سورة الرحمن واعادته مع كل آية * (فبأي آلاء ربكما تكذبان) * (الجواب) قلنا إنما حسن هذا التكرار للتقرير بالنعم المختلفي وتعديدها نعمة بعد نعمة أنعم بها قرر عليها ووبخ على التكذيب بها كما يقول الرجل لغيره ألم أحسن إليك بان خولتك المال ألم أحسن إليك بان امنتك من المكاره ألم أحسن إليك بان فعلت كذا وكذا فيحسن منه التكرار لاختلاف ما قرر به وهذا كثير في الكلام مستعمل بين الناس وهذا الجواب عن وجه التكرار في سورة والمرسلات في قوله * (فويل يومئذ للمكذبين) * فإن قيل إذا كان الذي حسن التكرار في سورة الرحمن ما عدده من الآلاء فقد عدد في جملة ذلك ما ليس بنعمة وهو قوله * (يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران) * وقوله
(٢٤٢)