صلبه، وتقوس منكباه وتثفنت (1) جبهته وراحتاه، وهو يقول لآخر معه عند القبر: يا بن أخي، لقد نال عمك شرفا عظيما بما حمله السيدان من غوامض العبرات، وشرائف العلوم التي لا يحتمل مثلها إلا سلمان الفارسي (رضي الله عنه)، وقد أشرف عمك على استكمال المدة وانقضاء العمر، وليس يجد في أهل الولاية رجلا يفضي إليه بسره.
قلت: يا نفس، لا يزال العناء والمشقة ينالان منك باتعابي (2) الخف والحافر في طلب العلم، وقد قرعت سمعي من الشيخ لفظة تدل على علم جسيم، وأثر عظيم.
فقلت: يا شيخ، من السيدان؟
قال: النجمان المغيبان (3) في سر من رأى.
فقلت: فإني أقسم بالولاية، وشرف محل هذين السيدين من الإمامة والوارثة، إني خاطب علمهما، وطالب آثارهما، وباذل من نفسي الإيمان المؤكدة على حفظ أسرارهما.
فقال: إن كنت فيما تقول صادقا، فاحضر ما صحبك من الآثار عن نقلة أخبارهم. فلما نشرت الكتب، وتصفح الروايات منها، قال: صدقت، أنا بشر (4) بن سليمان النخاس، من ولد أبي أيوب خالد بن زيد الأنصاري، أحد موالي أبي الحسن وأبي محمد (عليهما السلام)، وجارهما بسر من رأى.
قلت: فأكرم أخاك ببعض ما شاهدت من آثارهما.
قال: فإن مولانا أبا الحسن علي بن محمد العسكري (عليه السلام) فقهني في أمر الرقيق، فكنت لا أبتاع ولا أبيع إلا بإذنه، فأتجنب بذلك موارد الشبهات، حتى كملت معرفتي وأحسنت الفرق بين الحلال والحرام.
فبينا أنا ذات ليلة في منزلي بسر من رأى، وقد مضى هوي (5) منها، إذ قرع