وقد قال الله عز وجل لمحمد صلى الله عليه وآله لما نازعه المشركون:
" فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين " (1) وقد علم أن المشركين هم الكاذبون.
وهذا من التحاكم إلى الله عز وجل وما فيه إنصاف المتنازعين فيما بينهم، وكذلك قال الله تعالى وهو أصدق القائلين " قل فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما أتبعه إن كنتم صادقين " (1).
أراد بذلك إنصافهم في ظاهر الأمر، وهو يعلم أن رسول الله صلى الله عليه وآله على الحق.
وكذلك لم يكن علي عليه السلام شك في أمره كما زعمتم، وإنما أراد تقرير خصمه على ما أنكره من حقه وفضله بكتاب الله جل ذكره الذي دعا إليه لما أراده من المكر والخديعة بدعائه إليه، وليعلم ذلك من شبه عليهم به.
فلما ترك الحكم بالكتاب من أقيم لذلك، وحكم بالهوى دون الكتاب لم يجز حكمه بإجماع، لان من وكل على شئ بعينه لم يكن له أن يتجاوزه إلى غيره، وقد مر فيما تقدم ذكر تحكيم الله عز وجل العباد في جزاء الصيد، وفي شقاق ما بين الزوجين، وتحكيم رسول الله صلى الله عليه وآله سعدا " في بني قريظة مع ما قدمناه (3) أيضا " من احتجاج علي عليه السلام واحتجاج عبد الله بن عباس عليهم فيما أنكروه من التحكيم ورجوع من رجع منهم لما سمع ذلك إلى الحق، وفي ذلك كفاية لمن وفق لفهمه، وهدي لرشده.