خاتمة المستدرك - الميرزا النوري - ج ٢ - الصفحة ٢٥٩
بالتدريس والتصنيف، وأول مصنفاته الروض وآخرها الروضة ألفها في ستة أشهر وستة أيام، وكان غالب الأيام يكتب كراسا "، ومن عجيب أمره أنه كان يكتب بغمسة واحدة في الدواة عشرين أو ثلاثين سطرا "،. وخلف ألفي كتاب، منها مائتا كتاب كانت بخطه الشريف من مؤلفاته وغيرها.
مع أنه ذكر تلميذه الفاضل ابن العودي في رسالة بغية المريد: ولقد شاهدت منه سنة ورودي إلى خدمته أنه كان ينقل الحطب على حمار في الليل لعياله، ويصلى الصبح في المسجد، ويشتغل بالتدريس بقية نهاره، فلما شعرت بذلك كنت أذهب معه بغير اختياره، وكان رحمه الله يصلي العشاء جماعة وبذهب لحفظ الكرم، ويصلى الصبح في المسجد، بجلس للتدريس والبحث كالبحر الزاخر، ويأتي بمباحث غفل عنها الأوائل والأواخر.
ولعمري لقد اشتمل على فضيلة جميلة، ومنقبة جليلة، تفرد بها عن أبناء جنسه، وحباه الله تزكية لنفسه، وهو أنه من المعلوم البين أن العلماء رحمهم الله لم يقدروا على أن يروجوا أمور العلم، وينظموا أحواله، ويفرغوه في قالب التصنيف والترصيف حتى يتفق لهم من يقوم بجميع المهمات ويكفيهم كلما يحتاجون من التعلقات، ويقطع عنهم جميع العلائق، ويزيل عنهم جميع الموانع والعوائق، أما من ذي سلطان يسخره الله لهم، أو من ذي مروة وأهل خير يلقى الله في قلبه قضاء مهماتهم، ومع ذلك كانوا في راحة من الخوف بالأمان، وفي دعة من حوادث الزمان، ولكل منهم وكلاء قوامون بمصالح معيشتهم، ونظام دنياهم، بحيث لا يعرفون إلا العلم وممارسته، ولم يبرز منهم من المصنفات في الزمان الطويل إلا القليل، ومن التحقيقات إلا اليسير.
وكان شيخنا المذكور - روح الله روحه - مع ما عرفت يتعاطى جميع مهماته بقلبه وبدنه، حتى لو لم يكن إلا مهمات الواردين عليه، ومصالح الضيوف المترددين إليه، مضافا " إلى القيام بأحوال الأهل والعيال، ونظام المعيشة واتقان
(٢٥٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 254 255 256 257 258 259 260 261 262 263 264 ... » »»