خاتمة المستدرك - الميرزا النوري - ج ٢ - الصفحة ٢٥٨
وكان من قواعد الروم أن كل طالب علم منهم لابد وأن يكون معه عرض من قاضي بلده، فيه جهة تعريفه، وأنه أهل لما طلب، إلا الشهيد فإنه حين الخروج استخار الله تعالى أن يأخذ من قاضي صيدا - وهو المعروف الشامي - عرضا " فلم يظهر خيرة، وقد سأله بعض الفضلاء في قسطنطنية هل معك عرض من القاضي؟ فقال: لا، فقال: إذن أمرك مشكل، فأخرج له الرسالة المذكورة، وقال: هذا عرضي، فقال: لا تحتاج معه شيئا ".
ثم إن قاضي العسكر بعث إليه بعد اثني عشر يوما " من اجتماعه به الدفتر المشتمل على الوظائف والمدارس، وبذل له ما اختاره، وأكد كون ذلك في الشام أو حلب، فاختار منه بعد الاستخارة المدرسة النورية ببعلبك التي وقفها السلطان نور الدين فاعرضها إلى السلطان، وكتب بها برأت (١)، وجعل له في كل شهر ما شرطه واقفها، وأقام بها بعد ذلك قليلا "، واجتمع فيها بالسيد عبد الرحيم العباسي صاحب معاهد التنصيص، وأخذ منه شطرا ".
وخرج منها في ١١ رجب متوجها " نحو العراق، وبعد زيارة أئمتها عليهم السلام رجع إلى جبع في صفر سنة ٩٥٣، وقد تفأل بكتاب الله في المشهد الغروي في عاقبة أمره بعد هذه السفرة مع الأعداء والحساد، فظهر في أول الصفحة ﴿ففررت منكم لما خفتكم﴾ (2)، الآية. (2)، الآية.
وأقام ببعلبك يدرس في المذاهب الخمسة، واشتهر أمره، وصار مرجع الأنام ومفتي كل فرقة بما يوافق مذهبها، وصار أهل البلد كلهم في انقياده، ورجعت إليه الفضلاء من أقاصي البلاد.
ثم انتقل بعد خمس سنين إلى بلده بنية المفارقة، وأقام في بلده مشتغلا "

(١) مصطلح يراد به ما يقابل (المرسوم) في هذا العصر عندنا و (الفرمان) سابقا ". انظر لغتنامه دهخدا مادة برأت.
(٢) الشعراء ٢٦: 21.
(٢٥٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 253 254 255 256 257 258 259 260 261 262 263 ... » »»