شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٤ - الصفحة ١١
لكل شيء الذي لم ينشأ وجوده عن أول قبله وعن موجد سبقه لأنه الموجد لجميع الكائنات وإليه ينتهي سلسلة جميع الموجودات فهو الأول المطلق الذي ليس قبله شيء ليس لأوليته ابتداء ينتهي وجوده إليه فإذن وجوده أزلي (والآخر لا عن نهاية) يعني هو الآخر بعد كل شيء الذي لا يلحق لآخريته نهاية ينتهي إليها وجوده ويقبل العدم عندها، فإذن وجوده أبدي، والحاصل أنه ليس لأوليته بداية ولا لآخريته نهاية (كما يعقل من صفة المخلوقين) إذ من صفاتهم لحوق البداية والنهاية لوجوداتهم، وهذه الصفة لازمة للكل لامتناع مشاركتهم مع الواجب جل شأنه في الأزلية والأبدية، ثم أكد ما ذكره بقوله: (ولكن قديم أول آخر) أول باعتبار أنه مبدأ كل شيء ومنه نشأ وجود الأشياء كلها على النظام الأكمل، وآخر باعتبار رجوع جميع الأشياء وبقائه بعد فنائها، فما هو أول فهو بعينه آخر من غير اختلاف وتغير في ذاته وصفاته وهو بريء عن لحوق الوقت والمكان ووجوده في الحين والزمان فأوليته وآخريته تعودان إلى ما تعتبره الأذهان عن حالة تقدمه على وجود الأشياء وحالة تأخره عنها بعد عدمها، فهما اعتباران ذهنيان له بالقياس إلى مخلوقاته وليس هناك أولية وآخرية لأنهما فرع الوقت والزمان ولا وقت ولا زمان في عالم القدس.
(لم يزل ولا يزول) الظاهر أن «لم يزل» متعلق بالأول «ولا يزول» متعلق بالآخرة فيفيد أنه الأول بلا ابتداء والآخر بلا انتهاء. ويحتمل أن يكون كل واحد متعلقا بكل واحد فيفيد أنه أول عند كونه آخرا وآخر عند كونه أولا من غير تقدم أحدهما وتأخر الآخر، ويرشد إليه قول أمير المؤمنين (عليه السلام): « الحمد الله الذي لم يسبق له حال حالا فيكون أولا قبل أن يكون آخرا ويكون ظاهرا قبل أن يكون باطنا» وسر ذلك أن القبلية والبعدية أمر يلحق الزمان لذاته والزمانيات بتوسط الزمان وقد ثبت أنه تعالى منزه عن الزمان فلا جرم لا يلحق ذاته المقدسة وما لها من صفات الكمال ونعوت الجلال شيء من لواحق الزمان فلا يجوز أن يقال مثلا: كونه أولا قبل كونه آخرا، وكونه ظاهرا قبل كونه باطنا، وكونه عالما قبل كونه قادرا، بل استحقاقه بالنظر إلى ذاته لما يصح أن يعتبر له استحقاق واحد دائما، فلا حال يفرض إلا وهو استحق فيه أن يعتبر له الأولية والآخرية معا استحقاقا أوليا ذاتيا لا على وجه الترتيب وإن تفاوتت الاعتبارات بالنظر إلى اعتبارنا، ويحتمل أيضا أن يكون كل واحد متعلقا بالقديم وهو ظاهر.
(بلا بدء ولا نهاية) الأول ناظر إلى قوله «لم يزل» والثاني إلى قوله «لا يزول». والوجه أن وجوب وجوده مستلزم لوجوده أزلا وأبدا وامتناع اتصافه ببداية ونهاية.
(لا يقع عليه الحدوث) ناظر إلى ما قبله أو إلى قوله قديم; لأن الحدوث وهو الوجود بعد العدم ينافي القديم وعدم الابتداء والانتهاء.
(١١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 ... » »»
الفهرست