شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٣ - الصفحة ٣٠١
شيء؟ قال (عليه السلام): إن الأشياء لا تخلوا أن تكون خلقت من شيء أو من غير (1) شيء فإن كانت خلقت

١ - قوله «من شيء أو من غير شيء» أن كثيرا من الأوهام ذاهبة إلى أن الشيء لا ينتقل من العدم إلى الوجود ولا يخرج من الوجود إلى العدم فلا يوجد معدوم ولا ينفى موجود وهذا شيء يعلمه الملاحدة أولادهم وتلامذتهم في مكاتبهم ومدارسهم من مبدء نعومة أظافرهم حتى ينشأوا على الكفر وإنكار المبدء والمعاد وبذلك شككوا أطفال المسلمين وأعدوهم للالحاد ولعمري أنه مزلة عظيمة للسذج خصوصا ولهم حبل في ردعهم عما يمكن تقريبهم إلى معرفة الله تعالى منها أن الدين خرافات وأن الأنبياء كانوا من أصحاب الفطنة ورجال السياسة أرادوا إصلاح أخلاق الناس بتدبيرهم لا بوحي من الله وأن المتكلمين والفلاسفة الإلهيين كانوا مخطئين غلبت عليهم الأوهام وأن أدلتهم كالدور والتسلسل غير مبنية على التجارب والمحسوسات فيجب أن يترك ويطرد وإذا اطلعوا على خطئهم في مسألة لا تضر ولا تنفع كحركة الأرض جعلوها دليلا على خطئهم في جميع المسائل ونسبوا العرفاء إلى التصوف وترك الدنيا وإخلالهم بحكمة الخلقة حتى لا يلتفت الناس إلى مواجيدهم وأقوالهم الذوقية ويتأثروا بأشعارهم ومقالاتهم في معرفة الله تعالى.
وكان هذا الرأي الخبيث سايدا في رجال من قدماء فلاسفة اليونان قبل نضج الحكمة وقيل ظهور سقراط وأفلاطون والإلهيين منهم وردهم عليهم ونقل الشيخ في الفن الثالث من طبيعيات الشفاء أقوالهم وحججهم ونقض مذاهبهم بما لا مزيد عليه فمن مذاهبهم القول بالكمون والبروز قال الشيخ قد دعاهم إلى ذلك أنه من المستحيل أن يتكون الشيء عن اللاشيء إذ اللاشيء لا يكون موضوعا للشيء انتهى.
مثلا إذا وجدت نار فليست من العدم بل كانت نارية كامنة في عناصر تصادمت فبرزت النار من باطنها وكذلك ظهور كل شيء لم يكن فكان إنما هو بروز كامن ثم رد الشيخ عليهم بأن أنواع الكائنات غير متناهية واستعداد المادة لحصول الصور غير متناه ويمتنع أن يكون جزء متناه مؤلفا من أجزاء غير متناهية وحاصل الرد أنا أثبتنا عدم كون جسم متناهي المقدار مؤلفا من أجزاء غير متناهية ونحن نرى أن الأصناف والأنواع في هذا العالم كثيرة كثرة تلحقها بغير المتناهي مثلا التراب يمكن أن يصير شجرا بأنواعها وأوراقا خضرا وثمرات مختلف ألوانها وطعومها وحيوانات بأنواعها ثم تموت وتحدث منها أمور غير متناهية ثم تموت ثم تحيى إلى غير النهاية فلا بد لأصحاب الكمون والبروز أن يلتزموا في ذرة صغيرة من التراب بوجود خشب وورق وثمر وحيوانات وغير ذلك كامنة ثم تبرز وهو بين الاستحالة، ويلزمهم أيضا أن يكون الحياة كامنة في الجماد والجمود كامنة في الحي وهذا كما قال الصادق (عليه السلام): «فمن أين جاءت هذه الألوان المختلفة والجواهر الكثيرة الموجودة في هذا العالم من ضروب شتى ومن أين جاء الموت إلى آخر الحديث». وهذا بعد بطلان الكمون على ما ذكر. فإن قيل فما قولكم فيه قلنا أما المادة فليست وأما عندنا عندنا موجودة واجبة قائمة بنفسها مستقلة بذاتها بل هي معلولة للصورة مقومة بها.
وأما أصحاب الطبائع فيرون المادة غير معلولة وهذه صارت منشأ لشبهتهم فهذه الصور التي نراها عارضة كالنارية والمائية والحيوانية والخشبية وأمثالها ليست عوارض للمادة بل هي مقومة لها بحيث لولا الصورة لم تكن مادة كما لو لم تكن الشمس لم يكن نور والمادة من مظاهر الصورة ومرادنا بالصورة مبدء القوى لا الشكل وليس هذا خفيا على أكثر أهل عصرنا أيضا لأن المادة عندهم ليست إلا حالة يجدها الحس من حركة اجزاء قوة كهربائية يسمونها «ألكترون» فالجسم المادي شيء يتخيل من تتابع حركات كالشعلة الجوالة، القوة مهيمنة على المادة والمادة من توابع القوة وليست القوة من توابع المادة فرجع الأمر إلى أن المادة ليست قديمة واجبة بل هي تابة أو مظهر أو معلولة للصورة أي لمبدء القوى في كل جسم كما هو مذهب الشيخ وأمثاله فانهدم أساس الشبهة إذ هي مبنية على قدم المادة وكونها واجبة الوجود وغير مجعولة تعالى الله أن يكون له شريك. (ش)
(٣٠١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 294 295 296 297 298 299 300 301 302 303 304 » »»
الفهرست