(فارعوه وصدقوه وتفهموه بإذن الله) ارعوه إما من الرعاية بمعنى الرقوب والحفظ أي فارقبوه واحفظوه أو من الإرعاء بمعنى الإصغاء يقال: أرعيته سمعي أي أصغيت إليه يعني فاسمعوه وأصغوا إليه، فالهمزة على الأول للوصل وعلى الثاني للقطع.
(من زعم أنه يعرف الله بحجاب) المراد بالحجاب ما يمنع الوصول إليه تعالى ومعرفته بما يليق به كالنور والظلمة عند الثنوية، والطبع عند الملاحدة فإنهم طلبوا لهذا العالم سببا فأحالوه لظلمة طبيعتهم على الطبع إلى غير ذلك من العقائد الفاسدة التي من جملتها القول بالمعاني والصفات الزائدة عليه القائمة به فإنها تحجب أيضا عن الوصول إليه.
(أو بصورة) أي بجوهر حال في غيره أو بهيئة خيالية أو وهمية كما زعمه المصوره (أو بمثال) جسماني كما زعمه المجسمة (فهو مشرك) اتخذ إلها غيره وهذا هو الشرك بالله (وإنما هو واحد متوحد) موصوف بالوحدة المطلقة المنافية لتلك المقايسات الخيالية والوهمية والاعتبارات الحسية والعقلية.
(فكيف يوحده) أي يعتقد أنه واحد على الإطلاق (من زعم أنه عرفه بغيره) فإن هذه المعرفة شرك مناف للتوحيد (وإنما عرف الله من عرفه بالله) أي بما يليق به أي بما عرفه الله من نفسه وهو أنه خالق كل شيء وليس كمثله شيء وقد مر توضيح ذلك.
(فمن لم يعرفه به فليس يعرفه، إنما يعرف غيره) لأنه تعالى لما تقدس أن يشبه خلقا في شيء كان العارف المشبه له بخلقه أو المكيف له بكيفيات تحويها الأوهام وبصفات تعتريها الأفهام غير عارف به بل متصور الأمر آخر هو في الحقيقة غيره فهو مقر بوجود الصانع صريحا ومنكر له لزوما فيندرج من جهة الإقرار في جملة المشركين ومن حيث الإنكار في زمرة الملحدين.
(ليس بين الخالق والمخلوق شيء) مشترك معنى واشتراك العالم والقادر والموجود وغيرها بينهما إنما هو بمجرد اشتراك الاسم كما سيجيء تحقيقه (والله خالق الأشياء) فلا يجوز أن يتصف بشيء منها مشتركا بينه وبين خلقه لامتناع اتصافه بخلقه (لا من شيء كان) خبر بعد خبر يعني الله لا من شيء كان وسيجئ أن من زعم أن الله من شيء فقد جعله محدثا، ويحتمل أن يكون متعلقا بخالق الأشياء يعني أنه خالق الأشياء لا من شيء كان في الأزل فيشاركه في الأزلية.
وفي كتاب الاحتجاج للشيخ الطبرسي «قال الزنديق لأبي عبد الله (عليه السلام): من أي شيء خلق الأشياء؟» قال (عليه السلام): لا من شيء وفي بعض النسخ «من لا شيء» فقال: كيف يجيء من لا شيء