شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٣ - الصفحة ٢٣٢
الصانع بمعنى الفعل ويجوز أن يكون بمعنى الفاعل، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): ويحه أما علم أن الجسم محدود متناه والصورة محدودة متناهية فإذا احتمل الحد احتمل الزيادة والنقصان وإذا احتمل الزيادة والنقصان كان مخلوقا، قال: قلت: فما أقول؟ قال: لا جسم ولا صورة وهو مجسم الأجسام ومصور الصور، لم يتجزء ولم يتناه ولم يتزايد ولم يتناقص، لو كان كما يقولون لم يكن بين الخالق والمخلوق فرق ولا بين المنشئ والمنشأ لكن هو المنشئ فرق بين من جسمه وصوره وأنشأه، إذ كان لا يشبهه شيء ولا يشبه هو شيئا.
* الشرح:
(محمد بن أبي عبد الله، عن محمد بن إسماعيل، عن الحسين بن الحسن، عن بكر بن صالح) في كتاب التوحيد للصدوق (رضي الله عنه) عن الحسين بن الحسن، والحسين بن علي، عن صالح بن أبي حماد، عن بكر بن صالح (عن الحسن بن سعيد، عن عبد الله بن المغيرة، عن محمد بن زياد قال:
سمعت يونس بن ظبيان (1) يقول دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) فقلت له: إن هشام بن الحكم يقول قولا عظيما) صدور ذلك القول منه قبل دخوله في دين الحق محتمل.
(إلا أني أختصر لك منه أحرفا فزعم أن الله جسم لأن الأشياء شيئان) أي نوعان (جسم وفعل الجسم (2)) أي فعل صادر من الجسم، الحصر ممنوع (3) ولا دليل عليه عقلا ونقلا (فلا يجوز أن يكون الصانع بمعنى الفعل) لاستحالة احتياج الصانع إلى الفاعل والمحل.
(ويجوز أن يكون بمعنى الفاعل) وهو الجسم لخلوه عن المحذور المذكور، وفيه أنه يلزم احتياج الصانع إلى علة مادية هي الأجزاء، وعلة فاعلية هي المؤلف بين تلك الأجزاء، وعلة صورية هي الصورة الحاصلة باعتبار التأليف.
(فقال أبو عبد الله (عليه السلام): ويحه أما علم أن الجسم محدود متناه) (4) أي له أطراف ونهايات

١ - قوله «يونس بن ظبيان» ضعفه أصحاب الرجال وقالوا أنه كان يضع الأحاديث والعبرة في هذا الحديث بما صح من معناه ومضمونه وأما القدح به في هشام بن الحكم فلا. (ش) ٢ - قوله، جسم وفعل الجسم» هكذا نقل أبو محمد بن الحزم دليل المجسمة وتأويل كلام هشام أن الموجود إما أن يكون موجودا قائما بذاته كالجوهر بالنسبة إلى العرض وإما فعل الجسم أي حالات وعوارض للموجود القائم بالذات فإذا لم يكن الواجب حالا في غيره فهو قائم بذاته وأراد بالجسم الشيء القائم بذاته. (ش) ٣ - قوله «الحصر ممنوع» إن كان الجسم في كلامه بمعنى الشيء المستقل بذاته فليس الحصر ممنوعا وأما إن كان المراد منه الجسم اللغوي بمعناه المتبادر فالحصر ممنوع بل يمكن أن يكون الموجود مجردا قائما بذاته.
(ش) ٤ - قوله «أما علم أن الجسم محدود متناه» أثبت الحكماء أن كل جسم متناه وقد سبقت الإشارة إلى بعض أدلتهم في الصفحة ٢٣٩ و ٢٤٠ من هذا الجزء ولعل هشام بن الحكم كان يعرف ذلك بالدليل العقلي ولعله لم يكن يعرف ولكن الإمام (عليه السلام) استدل بتناهي بعض أفراد الجسم فأن كثيرا منها متناهية على ما يشاهد وكل شيء متناه يحتمل الزيادة والنقصان إذ لا يمتنع أن يكون أقل أو أكثر مما هو والواجب تعالى لا يتطرق إليه هذا الاحتمال فإن الزائد على مقداره الفعلي لم يوجد فهو ممكن لا واجب والنقصان منه ممكن بأن ينفصل منه شيء وهذا المنفصل ليس بواجب والا لتعدد وهذا الكلام جار في جميع أجزاء الجسم إلى أن ينتهي إلى أقل جزء - إن فرض - لا يتجزي وجميع هذه ممكن العدم.
فالجسم الواجب ممكن العدم بأن ينفصل منه شيء بعد شيء، ونقول أيضا كل ما هية من شأنها أن تقبل المقادير المختلفة فنخصصها ببعضها ليس بمقتضى ذاتها بل يحتاج إلى فاعل خارج عن طبيعته يرجح له بعض المقادير دون بعض، وهذا يقتضي الاحتياج وخروج الواجب عن كونه واجبا، وإنما عدل الإمام (عليه السلام) عن إمكان العدم إلى إمكان الزيادة والنقصان لأن تصور عدم الجسم ليس سهلا على العوام أما تصور الزيادة والنقصان فسهل عليهم، ولا فرق بين العدم والوجود والزيادة والنقصان إلا أن الأولين يشملان كل الجسم والثانيين يختصان بالأبعاض.
والحاصل أن ما ليس الوجود عين ذاته أمكن تصور عدمه والجسم ليس الوجود عين ذاته ومن أراد تحقيقا زائدا على ما ذكر فعليه بشرح صدر المتألهين عليه الرحمة ونقله المجلسي (رحمه الله) في مرآة العقول بعين عبارته. (ش)
(٢٣٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 227 228 229 230 231 232 233 234 235 236 237 ... » »»
الفهرست