شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٣ - الصفحة ٢٢٥
والكلال إلى العبارة والأبصار إسناد مجازي والمقصود بيان عدم إمكان تناول العبارة له وتعلق الأبصار به على سبيل المبالغة.
(وضل فيه تصاريف الصفات) يعني كل ما وصفوه تعالى به فهو غير موجود فيه وبعبارة اخرى ضل في طرق صفاته الحقة تصاريف صفات الواصفين وأنحاء تعبيراتهم عنها لأنهم وإن بالغوا في وصفه تعالى بها وانتقلوا من صفة إلى ما هو أعظم وأشرف عندهم لم يبلغوا كنه صفاته ولم يصفوه بما هو وصفه ولم ينعتوه كما هو حقه كيف ولسان التعبير يخبر عما في الضمير وكل ما هو في الضمير مخلوق مثله كما يرشد إليه ما روي عن الباقر (عليه السلام) «كلما ميزتموه بأوهامكم في أدق معانيه مصنوع مثلكم مردود إليكم» أو المعنى ضل في الوصول إلى منتهى بسيط بساط ثنائه وإحصائه أقدام تصاريف صفات الواصفين لأنها كلما بلغت مرتبة من مراتب المدح والتكريم كان وراءها أطوار من استحقاق الثناء والتعظيم.
(احتجب بغير حجاب محجوب واستتر بغير ستر مستور) محجوب خبر مبتدء محذوف والظرف المتقدم متعلق به والجملة استيناف لدفع ما يتوهم من قوله «احتجب» من أن له حجابا حسيا وهو ما يحجب الحواس عن الجسم والجسمانيات أو حجبا عقليا، وهو ما يحجب العقل عن المعاني والصور العقلية وكذا الكلام في نظيره، والمعنى احتجب سبحانه عن العقول وهو محجوب بغير حجاب عقلي يحجبه، واستتر عن الحواس وهو مستور بغير ستر حسي يستره، لأن الحجاب والستر بهذا المعنى من لواحق الصورة والجسمية وعوارضها وإذا تنزه قدس الحق عنها فقد تنزه عنهما بالضرورة، وإنما احتجابه واستتاره لكونه خارجا عن عالم مدركات العقول والحواس وكون غاية ظهوره في بطونه ونهاية جلائه في خفائه، وهو الظاهر والباطن.
ومما يرشد إلى سبب خفائه مع كمال ظهوره هو ما اشتهر من أن ظهور الأشياء بأضدادها ألا ترى أنك إذا نظرت إلى أن ضوء النهار ضد لظلمة الليل وأن الأول يتحقق ما دامت الشمس على وجه الأرض ويزول عند غيبتها بطريان الظلمة علمت علما قطعيا أن ضوء النهار مستند إلى الشمس ولو بقيت الشمس على وجه الأرض دائما لا مكن أن تتوهم أن ضوء النهار غير مستند إليها.
ولما لم يكن لجناب الحق جل شأنه ضد ولا انتقال وكان نور وجوده ظاهرا فأيضا صار ذلك سببا لخفائه حتى أنكره من أنكره عذبهم الله تعالى في الدنيا والآخرة.
ولهذه العبارة احتمال آخر ذكرناه في شرح الخطبة (1) وهو أن الظرف متعلق باحتجب

1 - قوله «في شرح الخطبة» خطبة كتاب الكافي مقتبس من هذا الحديث الشريف إذ ليس في قدرة آحاد الرعية وإن بلغ ما بلغ في العلم والبلاغة الإتيان بمثل هذه العبارات وكنت أستبعد صدور منه من المؤلف حتى وقفت على هذا الحديث وشرح قوله «احتجب بغير حجاب مستور» مذكور في الصفحة 12 من الجزء الأول فراجع. (ش)
(٢٢٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 220 221 222 223 224 225 226 227 228 229 230 ... » »»
الفهرست