شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ١ - الصفحة ٨٩
عقله (صلى الله عليه وآله) وعقل أوصيائه (عليهم السلام) إلا أن بين عقله وعقلهم تفاوتا دقيقا لا يعرفه إلا الله سبحانه، وأما عقل غيرهم ممن تمسك بذيل عصمتهم فهو وإن كان كمالا ونورا في حد ذاته لكنه استعداد محض، وظلمة صرف بالنطر إلى عقلهم إذ غاية جهده ونهاية سعيه تحصيل تلك المعقولات على قدر الوسع من مباديها بالاجتهاد وهو في هذه المتربة بمنزلة من استدل على وجود النار بمشاهدة الدخان، وبين هاتين المرتبتين مسافة بعيدة كما لا يخفى على العارفين.
وإذا كان عقله (صلى الله عليه وآله) أكمل وأفضل من عقول المجتهدين كان إدراكاته وتعقلاته أفضل وأتم من اجتهادات المجتهدين وتعقلاتهم ولهذا يحكم بأن عقل الأعلم وإدراكاته أتم وأفضل من عقل العالم وإدراكاته، وكذا عقل العالم وإدراكاته أتم وأفضل من عقل الجاهل وإدراكاته، بل لا نسبة هنا، ويرشد إلى التفاوت المذكور قول الصادق (عليه السلام) «اعرفوا منازل الناس على قدر رواياتهم عنا (1)» (وما أدى العبد فرائض الله حتى عقل عنه) أي عقل عن الله وعرفه حق معرفته وعلم ما يصح عنه وما يمتنع عليه وحق أمره فيما أراده من الفرائض والأحكام وذلك ظاهر لأن أداء الفرائض لا يتصور بدون معرفتها المتوقفة على معرفته تعالى ومعرفته لا يتصور بدون العقل هو الأصل لجميع ذلك (ولا بلغ جميع العابدين) أي مجموعهم من حيث المجموع أو كل واحد منهم (في فضل عبادتهم ما بلغ العاقل) أي في فضل عبادته أو في عقله عن الله وأحكامه وعلمه بهما لأن العقل أصل للعبادة وروح لها إذ به يحصل الخوف والخشية والخضوع الموجبة لصعودها إلى محل القبول، وانحطاط الفرع عن الأصل وعدم صعود العبادة الفاقدة لروحها بين لا سترة فيه (والعقلاء هم أولو الألباب) في تعريف الخبر باللام وتوسيطه بضمير الفصل تنبيه على التخصيص والتأكيد أي على قصر المسند على المسند إليه كما هو الشايع في مثل زيد هو الأمير، أو على قصر المسند إليه على المسند، فإنه قد يجيء لهذا المعنى أيضا كما في قولهم: الكرم هو التقوى أي لا كرم إلا التقوى، وهذا أنسب بالمقام لأن الظاهر أن المقصود حصر العقلاء بأنهم ليسوا إلا أولو الألباب الذين مدحهم الله تعالى في الكتاب، ويحتمل أن يكون المراد بيان اتحاد المفهومين يعني إذا حصلت مفهوم أولو الألباب وتقرر ذلك في ذهنك وتصورته حق تصوره فقد عرفت مفهوم العقلاء وحقيقتهم، فإنه لا مفهوم لهم وراء ذلك فليس هناك حمل بحسب المعنى ولا قصر، وقد صرح أئمة العربية بجواز إرادة هذا المعنى في مثل هذا التركيب منهم الشيخ في دلائل الإعجاز. (الذين قال الله تعالى) في مدحهم والجملة صفة لاولي الألباب أو للعقلاء (وما يتذكر إلا أولو الألباب) وهم الذين اتصفوا بنور البصائر وجودة الأذهان وشاهدوا المعارف مشاهدة العيان واهتدوا إليها لتجرد عقولهم عن غواشي الحواس وعلايق الأبدان

1 - سيأتي في كتاب فضل العلم باب النوادر تحت رقم 13.
(٨٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 84 85 86 87 88 89 90 91 92 93 94 ... » »»
الفهرست