شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ١ - الصفحة ٨٨
كالحج والجهاد ونحوهما مع أن في الشخوص مشقة زائدة على الإقامة وذلك لأن عقل العاقل وإن كان جسمه مقيما سائر في المقامات العالية التي لا تخطر ببال الجاهل أبدا وله في كل آن سفر روحاني وشهود رباني ولا شبهة في أن سير الروح في معارج العرفان مع سكون الجسم أفضل من سير الجسم في البلدان مع سكون الروح أو لأن، إقامة العاقل وسكونه عبادة كشخوص الجاهل ولا ريب في أن عبادة العاقل وأشرف من عبادة الجاهل أو لأن روح الطاعة واعتبارها هو النية وقصد القرية ولا يحصل ذلك إلا بالمعرفة واليقين والجاهل بمعزل عنهما (ولا بعث الله نبيا ولا رسولا) من باب ذكر الخاص بعد العام لأن النبي أعم من الرسول كما سيجيء في الباب الثالث من كتاب الحجة.
(حتى يستكمل العقل ويكون عقله أفضل من جميع عقول أمته) لأنه واسطة بينهم وبين الله تعالى فيستحيل أن يكون في أمته من هو أفضل منه عقلا أو مساويا; لاستحالة ترجيح المفضول على الأفضل وترجيح أحد المساويين على الآخر وفيه مدح عظيم للعقل والعقلاء حيث حكم بأن التفاضل في الدرجة والتشريف بشرف النبوة والرسالة إنما حصل به ولذلك صار خاتم المرسلين أشرف المخلوقات أجمعين ولولاه لما خلق الله السماوات والأرضين ولا الملائكة المقربين لأن عقله نور رب العالمين به أخذ النور كل نبي وكل وصي في ديجور الإمكان كما أن الكواكب تستضئ بنور الشمس في ظلمة الليالي وإن كانت غائبة في الحس، فإذا طلعت قهر نورها على أنوار الكواكب ومنه يظهر سر نسخ شريعته الغراء لشرايع الأنبياء (وما يضمر النبي (صلى الله عليه وآله) نفسه أفضل من اجتهاد المجتهدين) لكون عقله أفضل وأرفع من عقولهم لأن عقله لشدة اتصاله بنور الحق جل شأنه كمال محض لا نقص فيه قطعا ونور صرف لا يشوبه ظلمة أصلا وذلك الاتصال بمنزلة اتصال الحديد بالنار وتأثره منها بحيث يصير نارا صرفا يمحو هويته حتى يؤثر في غيره مثل تأثيرها، وبه يشعر قوله تعالى ليلة المعراج خطابا له (صلى الله عليه وآله) «وما يتقرب عبدي إلي بشئ أحب مما افترضت عليه، وإنه ليتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ولسانه الذي ينطق به، ويده التي يبطش بها إن دعاني أجبته، وإن سألني أعطيته (1)» ولأجل ذلك الاتصال التام يظن من ليس له معرفة وتمييز أنهما متحدان. وأما أرباب المعرفة فيعرفون أن بينهما مغايرة وأن هذا مخلوق اتصل بكمالات الخالق كما أن ذلك حديد اتصف بصفات النار، وهذه المرتبة هي المرتبة العظمى والدرجة العليا من مراتب العقل ودرجاته وهي مرتبة حق اليقين، وهو فيما دون تلك المرتبة أعني مرتبة علم اليقين، مرتبة عين اليقين يشاهد المعقولات كلها مشاهدة عيان بحيث لا يعزب عنه شئ إلا ما شاء الله، هذا حال

1 - رواه الكليني في كتاب الايمان والكفر باب من اذى المسلمين واحتقرهم تحت رقم 8.
(٨٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 83 84 85 86 87 88 89 90 91 92 93 ... » »»
الفهرست