شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ١ - الصفحة ٨٦
ولا يخفى أن سرعة قبول القلب لتلك المخاطرات وتأثره بتلك التصرفات إنما هو لضعف العقل، فان العاقل اللبيب يعلم أن العبادة ومقدماتها معراج العارفين وكلما يمنعه ويشغله عن التذكر فهو من تدليسات ذلك اللعين فيسد طرق تصرفاته بالبصيرة واليقين وأن النية إنما هي القصد بالشيء ولا معنى لإنكاره بعد حصوله وأن التردد إنما ينشأ من العدو المبين وأن ملاحظة تفاصيلها وتمييز بعضها عن بعض خارجة عن الدين وأن امتثال أمر الله سبحانه كامتثال العبد أمر سيده وأن تعظيمه كتعظيمه فلو أمره سيده بفعل معين في وقت معين فقام امتثالا لأمره وفعله في ذلك الوقت كان ممتثلا لأمره عرفا وشرعا ولو شرع في القيام وقال: أقوم امتثالا لأمر مولاي قياما مقارنا لتعظيمه وأمشي إلى ذلك المكان مشيا مطلوبا له وأفعل فيه في وقت كذا الفعل الذي أجزاؤه كذا وكذا، ويكرر ذلك لينتقش في قلبه صور هذه المعاني لعد ضعيفا في عقله وسخيفا في رأيه لأن هذه الصور مخطورة بالبال مندرجة تحت الامتثال على سبيل الإجمال كاندراج أجزاء العالم وعلة حدوثها في قولك: «العالم حادث» فكما أن القصد إلى الأجزاء مثل الأرض والسماء إلى غير ذلك مما لا يحيطه العد والإحصاء خارج عن إفادة هذا القول بل زايد، كذلك القصد إلى الصور المذكورة فيما نحن فيه (فقلت له كيف يطيع الشيطان) مع اشتغاله بالعبادة واهتمامه بها و «كيف» للاستفهام عن وجه ذلك إلا للإنكار (فقال سله هذا الذي يأتيه) من الوسواس في الوضوء والصلاة والابتلاء بهما (من أي شئ هو) إنما أحال البيان إليه للتنبيه على أن كون ذلك من الشيطان أمر بين يعرفه كل أحد حتى صاحبه وذلك لأن كل أحد يعلم أن الزيادة في الدين إنما هو من عمل الشيطان اللعين (فإنه يقول لك من عمل الشيطان) لعلمه بأنه الباعث لهذا العمل دون الشرع أو العقل وتصديقه بذلك لا يوجب كونه عاقلا كاملا كشارب الخمر والزاني والسارق وإنما العاقل من ترك عمل الشيطان ولم يعمل بقوله، وقيل قوله «من عمل الشيطان» قوله بلسانه ولم يؤمن به قلبه إذ لو عرف أنه من عمل الشيطان لكان عاقلا ولا موصوفا وإنما يقوله ذلك تقليدا أو اضطرارا وذلك مثل ما حكى الله سبحانه عن الكفار بقوله (ولئن سئلتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله) فان هذا قولهم بأفواههم ولم تؤمن به قلوبهم إذ لو علموا ذلك لم يكونوا كفارا وإنما قالوا ذلك تقليدا وسماعا من الناس على الرسم والعادة لا تحقيقا وعرفانا فلذلك لا ينفعهم في الدنيا والآخرة. وفيه نظر لأنا لا نسلم أن علمه بأن ذلك من عمل الشيطان يستلزم أن يكون عاقلا لما عرفت، ولا نسلم به أن علم الكفار بأن الله تعالى خلق السماوات والأرض يسلتزم عدم كفرهم لجواز أن يكون كفرهم مع علمهم بذلك لأجل أمر آخر كاعتقادهم باستحقاق الأصنام للعبادة ونحوه فليتأمل.
(٨٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 81 82 83 84 85 86 87 88 89 90 91 ... » »»
الفهرست