شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ١ - الصفحة ٧٣
خصال فاخترها ودع اثنتين فقال: آدم يا جبرئيل وما الثلاث) الظاهر أن الواو لمجرد حسن الارتباط وزيادة الاتصال لا للعطف (فقال: العقل والحياء والدين) العقل هنا قوة نفسانية وحالة نورانية بها يدرك الإنسان حقائق الأشياء ويميز بين الخير والشر وبين الحق والباطل، ويعرف أحوال المبدء والمعاد وبالجملة هو نور إذا لمع في آفاق النفوس يكشف عنها غواشي الحجب فتتجلى فيها صور المعقولات كما يتجلى في العين صور المحسوسات. والحياء خلق يمنع من ارتكاب القبيح وتقصير في الحقوق، وقال الزمخشري هو تغير وانكسار يلحق من فعل ما يمدح به أو ترك ما يذم به وهو غريزة وقد يتخلق به من يجبل عليه فيلتزم منه ما يوافق الشرع وسيجئ تحقيقه وتحقيق أن ما في بعض الإنسان من الكيفية المانعة له عن القيام بحقوق الله تعالى من الحياء إن شاء الله تعالى. والدين هو الصراط المستقيم الذي يكون سالكه قريبا من الخيرات بعيدا عن المنهيات (1) وهو عبارة عن معرفة مجموع ما يوجب القرب من الرب والعمل بما يتعلق به الأمر ومعرفة مجموع ما يوجب البعد عنه وترك العمل بما يتعلق به النهي (فقال آدم إني اخترت العقل) لا يقال: اختياره للعقل لم يكن إلا لملاحظة أن حسن عواقب أموره في الدارين يتوقف عليه وإن نظام أحواله في النشأتين لا يتم إلا به ولا يكون ذلك إلا لكونه عاقلا متفكرا متأملا فيما ينفعه عاجلا وآجلا، لأنا نقول: المراد بهذا العقل العقل الكامل الذي يكون للأنبياء والأوصياء واختياره يتوقف على عقل سابق يكون درجته دون هذا وللعقل درجات ومراتب. وقد يقال هذه الأمور الثلاثة كانت حاصلة له (عليه السلام) على وجه الكمال والتخيير فيها لا ينافي حصولها والغرض منه إظهار قدر نعمة العقل والحث على الشكر عليها (فقال جبرئيل للحياء والدين انصرفا ودعاه) أي انصرفا عن آدم ودعاه مع العقل معه (فقال يا جبرئيل) الظاهر أن هذا القول حقيقة بلسان المقال بحياة خلقها الله تعالى فيهما ولا يبعد ذلك عن القدرة الكاملة وقد ثبت نطق اليد والرجل على صاحبهما ونطق الكعبة والحجر وغيرهما. ويحتمل أن يكون ذلك مجازا بلسان الحال أو يخلق الله سبحانه فيهما كلاما أسمعه جبرئيل وآدم (عليه السلام) كما قد خلق ذلك في بعض الأجسام الجمادية وأسمعه من شاء من خلقه (إنا امرنا أن نكون مع العقل حيث كان) أي حيث وجد أو حيث كان موجودا، يفهم منه أن العقل مستلزم لهما وهما تابعان له، والأمر كذلك لأن بالعقل يعرف الله سبحانه وجلاله وجماله وكماله وتنزهه عن النقايص وإحسانه وإنعامه وقهره وغلبته بحيث يرى كل جلال وجمال وكمال وإحسان وإنعام وقهر وغلبة مقهورا تحت قدرته مغلوبا تحت قهره وغلبته بل لا يرى في الوجود إلا هو فيحصل له بذلك خوف وخشية يرتعد به جوانحه كما قال سبحانه: (إنما يخشى الله من عباده العلماء) ويحصل له بذلك قوة وملكة تمنعه

1 - في بعض النسخ [عن السيئات].
(٧٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 68 69 70 71 72 73 74 75 76 77 78 ... » »»
الفهرست