عن مخالفته طرفة عين وهذه القوة هي المسماة بالحياء، ثم بتلك القوة يسلك الصراط المستقيم وهو الدين القويم، ومن ههنا ظهر أن الحياء مستلزم للدين والدين تابع له، ثم جبرئيل (عليه السلام) إن كان عالما بكونهما مأمورين بذلك كان قوله: «انصرفا ودعاه» محمولا على نوع من الامتحان لاظهار شرف العقل ونباهة قدره وإن لم يكن عالما كان ذلك القول محمولا على الطلب (قال فشأنكما وعرج) الشأن بالهمزة الأمر والحال والقصد أي فشأنكما معكما أو ألزما شأنكما، وهذا الحديث وإن كان ضعيفا بحسب السند لكن صحيح المضمون، وكذا الحديث الآتي مع ضعفه بالارسال أيضا لاعتماده بالبرهان العقلي وكذلك كثير من الأحاديث الواردة في الأحكام العقلية من أصول المعارف ومسائل التوحيد.
* الأصل:
3 - «أحمد بن إدريس، عن محمد بن عبد الجبار، عن بعض أصحابنا رفعه إلى أبي عبد الله (عليه السلام) قال، قلت له: ما العقل؟ قال: «ما عبد به الرحمن واكتسب به الجنان، قال: قلت: فالذي كان في معاوية؟
فقال: تلك النكراء تلك الشيطنة وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل» * الشرح:
(أحمد بن إدريس، عن محمد بن عبد الجبار، عن بعض أصحابنا رفعه إلى أبي عبد الله (عليه السلام) قال قلت له: ما العقل قال ما عبد به الرحمن واكتسب به الجنان).
سأل سائل عن معرفة العقل مطلقا سواء كان حقيقيا أو رسميا أو لفظيا أو عن حقيقته وأجاب (عليه السلام) ببعض خواصه وأغراضه المقصودة منه للتنبيه على أن معرفة هذا هو الأهم والأسهل له دون معرفة حقيقته وإشعارا بأن عرفان حقيقته متعسر جدا فلا يحصل له بسهولة، ولهذا اختلف العلماء فيها وتحيرت عقول الحكماء في تحديدها وهذا التعريف إشارة إلى القوة النظرية المسماة بالعقل النظري وإلى القوة العملية المسماة بالعقل العملي إذ بالأولى يعلم المعارف الإلهية والأحكام الشرعية والأخلاق الحسنة النفسانية، وبالثانية يعمل بها ويهذب الظاهر والباطن وبالعلم والعمل يتم نظام عبادة الرحمن واكتساب الجنان، ويمكن أن يكون إشارة إلى العقل بالمعنى الأول والأخير أيضا لأن مقتضى النفس من حيث التجرد وعدم معارضة الأوهام وسائر القوى البدنية ومقتضى الجوهر النوراني المجرد عن شوائب المادة من جهة إشراقاته على النفس عبادة الرحمن واكتساب الجنان كما يشهد به الذوق السليم، ولما كان هذا الجواب من الخواص الشاملة للعقل من شأنها عدم تخلفها عما هي خاصة له وقد تخلفت ههنا عما في بعض الأشخاص مثل معاوية من مناط التدبير والتصرف في الأمور الدنيوية الموجبة لبعده عن عبادة الرحمن واكتساب الجنان، والناس يسمونه عقلا وصاحبه