يمتنع أخذه باعتبار المبادي والحقائق وجب أخذه باعتبار الغايات وقد شاع أمثال ذلك في القرآن العزيز. على أنه قد يقال محبة الخلق له بمعنى ميل العقل ليس بممتنع لأن الميل العقلي إدراك ولا يمتنع ذلك كما لا يمنع العلم به، وإنما الممتنع هو الميل الحسي لاستلزامه أن يكون في جهة والوجه العقلي في كونه أحب المخلوقات إليه أن الطاعة والانقياد مع القدرة على المخالفة أشد من الطاعة بدونها وأدخل في التقرب واستفاضة الرحمة والاحسان منه تعالى. وقيل: الوجه فيه أن المحبة تابعة لادراك الوجود لأنه خير محض، فكل ما كان وجوده أتم كانت خيريته أعظم والإدراك المتعلق به أقوى والابتهاج به أشد فأجل مبتهج بذاته هو الحق الأول، لأن إدراكه لذاته أشد إدراكا لأعظم مدرك له الشرف الأكمل والنور الأنور والجلال الأرفع، فذاته سبحانه أحب الأشياء إليه وهو أشد مبتهج به، ومحبته لعباده راجعة إلى محبته لذاته لأن كل من أحب شخصا أحب جميع حركاته وأفعاله وآثاره لأجل ذلك المحبوب; فكل ما هو أقرب إليه فهو أحب إليه وجميع الممكنات على مراتبها آثار الحق وأفعاله فالله يحبها لأجل ذاته وأقرب المجعولات إليه هو العقل، فثبت أنه أحب المخلوقات إليه. ومن المتكلمين من أنكر محبة الله لعباده زعما منهم أن ذلك يوجب نقصا في ذاته ولم يعلموا أن محبة الله لخلقه راجعة إلى محبته لذاته إنتهى. وفيه نظر من وجوه أما أولا فلان قوله «المحبة تابعة لادراك الوجود، ممنوع وما ذكرناه لاثباته من أن الوجود خير محض مدخول (1) والبحث عنه مشهور مذكور في موضعه، وأما ثانيا فلأن كون العقل المبحوث عنه أقرب المجعولات كلها إليه سبحانه ممنوع (2) وأما ثالثا فلأن المحبة والبغض متقابلان وقد نسب البغض لبعض المخلوقات إليه سبحانه ولا شك أن بغضه له ليس لأجل أنه من آثاره بل لأجل شئ آخر فلم لا يجوز أن لا يكون محبته لخلقه لا لأجل أنه من آثاره بل لأجل شئ آخر (3) وأما رابعا فلأن قوله
(٧٠)