شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ١ - الصفحة ٦٩
ولعل الغرض من الأمر بالاقبال إراءه مقاماته وإظهار درجاته ليستيقظ في العالم السفلي من نوم الجهالة وسنة البطالة ويتذكر بأن له سوى هذه النشأة الدنية نشأة أخرى أحسن وأفضل منها بل لا نسبة بينهما، أو إقباله إلى الدنيا وإدباره عنها وعدم ركونه إليها، وقيل: المراد بالأمر بالاقبال والادبار هو الأمر التكويني الايجادي لا التكليفي والاقبال والادبار التزيد والتنقص في كل مرتبة من مراتب القوة العاملة بالقياس إلى العلوم والأخلاق كما وكيفا بحسب كل من الاستعداد الأولي الجبلي في الفطرة الأولى والاستعداد الثاني المكتسب في الفطرة الثانية، فان بالإعمال والتعطيل في الفطرة الثانية يربو ويطف ما في الفطرة الأولى والذي من لوازم الذات هو القدر المشترك السيال بين حدي الربو والطفافة وهو متحفظ غير متبدل ما دامت الذات في مراتب التزيد والتنقص. وفيه: أن تكوينه على قبول الزيادة والنقصان إنما هو في مرتبة تكوين ذاته لا بعده كما يشعر به لفظة «ثم» (ثم قال وعزتي) أي وغلبتي على جميع الممكنات يقال: عزه يعزه بالفتح عزا إذا غلبه والاسم العزة ومنه العزيز من أسمائه تعالى بمعنى القوي الغالب الذي لا يغلب وبمعنى الملك مثل قول إخوة يوسف (يا أيها العزيز) (وجلالي) أي وعظمة شأني وارتفاع قدري ومكاني، ومنه الجليل من أسمائه تعالى بمعنى العظيم المطلق، والواو للقسم وما بعدها مبتدأ وخبره محذوف وهو قسمي (ما خلقت خلقا هو أحب إلي منك) دل على أن العقل ليس هو أول المجعولات (1) كما زعم. قيل: المحبة ميل القلب إلى ما يوافقه وهي بين الطرفين لما روي عن الصادق (عليه السلام) حين سأله رجل عن رجل يقول: أودك فكيف أعلم أنه يودني فقال: امتحن قلبك فإن كنت توده فإنه يودك» (2) سيما إذا أخبر أحدهما الآخر بحبه له فإنه يوجب حب الآخر للمخبر أيضا كما ورد في بعض الأخبار، ومن ههنا يعلم أن العقل كما كان أحب المخلوقات إلى الله سبحانه كذلك كان سبحانه أحب الموجودات إلى العقل وسبب محبة الشئ إما كونه حسنا في ذاته، أو في الحس كالصور الجميلة. أو في العقل كمحبة الصالحين، أو كونه محسنا يجلب نفعا أو يدفع ضرا، وثمرة محبة الله لخلقه إرادة الخير له وإفاضة رحمته عليه والاحسان إليه بكشف الحجاب عنه وتمكينه من أن يطأ بساط قربه وثمرة محبة الخلق له تعالى وقوفه عند حدوده وحبه لمن أحبه وبغضه لمن أبغضه واستيناسه واستيحاشه عما سواه، وتجافيه عن دار الغرور وترقيه إلى عالم النور، وكأن من أنكر المحبة بينه وبين خلقه وزعم أن ذلك يوجب نقصا في ذاته تعالى أنكر المحبة بمعنى الميل لأن الله تعالى منزه عن أن يميل أو يمال إليه وليس هذا المعنى مرادا هنا بل المراد هنا هي الغايات والثمرات المذكورة لأن ما نسب إليه تعالى مما

1 - قوله «ليس هو أول المجعولات» سيجيء تحقيقه عند قوله (عليه السلام) «هو أول خلق من الروحانيين» ان شاء الله تعالى (ش).
2 - الكافي كتاب العشرة باب نادر ج 2.
(٦٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 64 65 66 67 68 69 70 71 72 73 74 ... » »»
الفهرست