رجال تركوا بصمات على قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ١٩٠
جانبا منه آنفا منه آنفا من جهة، وطبيعة الثورات وشخصية القيادات التي تقودها من جهة أخرى، فزيد الثائر القائد هو الذي وصفه أبو الجارود بقوله:.
قدمت المدينة فجعلت كلما سألت عن زيد بن علي قيل لي ذاك حليف القرآن (1).
ووصفه الطبري بقوله: وكان عابدا، ورعا، سخيا، شجاعا.
وهو الذي أيده ومال إليه أبو حنيفة النعمان بن ثابت مؤسس المذهب الحنفي، فأفتى بصرف الزكاة لنصرة زيد، وحوكم وأوذي بسببها، وقد سجل كثير من المؤرخين والكتاب هذه الحقيقة، نذكر منهم الأستاذ محمد إسماعيل إبراهيم الذي كتب في دور فقيه المذهب الحنفي ورأيه في الحكم الأموي، وفي ثورة زيد، وحق آل البيت (ع) بالخلافة:.
وكان ينكر - يعنى أبا حنيفة - على بنى أمية استيلاءهم على منصب الخلافة بغير حق، واستيلاءهم على السلطة بقوة السيف وادهاء، لذلك كان ميالا بقلبه نحو الامام علي بن أبي طالب وأبنائه (ع) الذين ذهبوا ضحية ظلم الأمويين وعسفهم، وكان أشد ما يحزن أبا حنيفة مقتل زيد بن علي زين العابدين، الذي كان في نظره إماما عادلا جديرا بالخلافة لمناقبه الباهرة، وظل أبو حنيفة على ولائه لآل البيت وعدائه للأمويين حتى أنه رفض أن يشغل أي منصب في دولتهم، وكان يظهر أحيانا خلال دروسه بعاطفته و ميله نحو العلويين، الامر الذي جعل ابن هبيرة والى الكوفة ينقم عليه، وظل يراقبه و يتلمس له أي خطأ يقع منه لكي يعاقبه، فلما كلفه بتولي القضاء ورفض، اعتبر ابن هبيرة ذلك عدم ولاء للدولة، فضربه وسجنه، واستطاع أبو حنيفة بمساعدة حارس السجن أن يهرب ويلجأ إلى مكة ليقيم فيها، وظل فيها إلى أن قامت الدولة العباسية، واستتب لها الأمر فعاد إلى الكوفة (2).
ثورة زيد بن علي (ع) سنة 121 ه‍.:
في هذه الظروف القاسية المرعبة قرر زيد اعلان الثورة والانطلاق من الكوفة، وكان الجميع يعلقون آمالهم على ثورة زيد، ويلحون عليه بالإسراع والاستجابة.
ولم يكن زيد ليعلن الثورة من أجل أن يتولى الخلافة والإمامة بنفسه، بل كان يدعو إلى الرضي من آل محمد - أي خيرة آل محمد (ص) -، وكان يعرف أن أخاه الباقر (ع) هو امام آل محمد (ص) في عصره، وقد حدث زيد أخاه الباقر (ع) بذلك واستشاره، وكان ينوى تسليم الامر إليه بعد نجاح الثورة، الا أن الإمام الباقر (ع) أخبره بأنه روي عن آبائه عن جده رسول الله (ص) مدة حكم بنى أمية، وأنه يقتل ان هو تصدى

1 - أبو الفرج الأصفهاني / مقاتل الطالبين / ص 135.
2 - محمد إسماعيل إبراهيم / أئمة المذاهب الأربعة / ص 48 مصطفى الشكعة / الأئمة الأربعة / ط 1 دار الكتاب اللبناني / ص 114 - 116، بلفظ آخر. ابن خلكان / وفيات الأعيان / ج 5 / ص 406، وجاء فيه أن ابن هبيرة ضربه (110) أسواط، في كل يوم عشرة أسواط، الا أنه أصر على رفضه منصب القضاء.
(١٩٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 185 186 187 188 189 190 191 192 193 194 195 ... » »»