التاريخ وحركة التقدم البشري ونظرة الإسلام - الشيخ محمد مهدي شمس الدين - الصفحة ٤٣
الإنسانية ووعي لاستمرار الحضارة الإنسانية فينا وفيمن يأتي بعدنا من الأجيال - بدون ذلك لن يكون في وسعنا تفادي أخطاء وقعت في الماضي كما لن يكون من حقنا التمتع بنتائج تجارب ناجحة أنجزت فيه، كما أننا في هذه الحالة قد نتخذ بالنسبة إلى المستقبل الذي لا نملكه وحدنا قرارات متهورة شديدة الخطورة بالنسبة إلينا وإلى وضعية ومصير الأجيال الآتية.
إن الغلو في استرجاع التاريخ، فكرا وعملا، قد يجعل من التاريخ مقبرة للحاضر والمستقبل، ويجعل الإنسان غريبا في العالم الذي يعاصره ويحيط به ويتدفق بالحياة نحو المستقبل من حوله.
كما إن الغلو في رفض التاريخ، والانقطاع عنه والانصراف عن تجاربه ومآثره قد يجعل الإنسان ريشة في مهب الريح عاجزا عن التماسك في الحاضر، ويفقده القدرة على ممارسة دوره الأصيل في بناء الحضارة ويجعل منه مجرد ممثل لأدوار يضعها الآخرون يعكس هو بتمثيله إراداتهم وأفكارهم وموجاتهم.
إذن لابد للإنسان من أن يتعامل مع التاريخ باعتدال يجعله دليلا في حركته وتربة ينمو فيها الحاضر الأصيل والمستقبل الأكثر يمنا وأصالة.
واستجابة لهذه الضرورة تعامل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) مع التاريخ في مجال الوعظ وفي مجال السياسة والفكر.
وأكبر همنا في هذه الدراسة هو التعرف على النظرة التاريخية للإمام في مجالي السياسة والفكر، مكتفين بالنسبة إلى المجال الوعظي ذي المحتوى التاريخي بتقديم نموذج واحد من النصوص الوعظية في كتاب نهج البلاغة، وتحليله مع تسليط الأضواء على الجانب التاريخي فيه.
(٤٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 36 37 38 41 42 43 47 48 49 50 51 ... » »»