فتوح الشام - الواقدي - ج ٢ - الصفحة ٢٣٥
قال الراوي هذا ما جرى لهؤلاء وأما المنهزومون فإنهم مضوا إلى البطارقة والملوك وأخبروهم بما وقع من أمرهم فعظم عليهم من قتل واستعدوا للقتال وركبوا خيولهم وابلهم وافيالهم وتزينوا بزينتهم وساروا يجدون المسير وقد أكثروا الطبول والزمور والصنوج قال قيس بن الحرث وأقام المسلمون بعد الوقعة يوما فبينما نحن في اليوم الثاني بعد صلاة الصبح وكان الاجاويد من الامراء والابطال في كل يوم يركبون ويستنشقون الاخبار فبينما هم ينتظرون إذ ثار الغبار حتى تعلق بالجو وانكشف عن رجال وخيول كالجراد المنتشر والسيل المنحدر وارتجت الأرض من ازدحام الخيل وقعقعة اللجم فرجعوا وأعلموا صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاح الصائح في العسكر النفير النفير يا خيل الله اركبي في الجنة ارغبي والثواب اطلبي فتواثب المسلمون إلى قدومهم ولبسوا دروعهم والى خيولهم فركبوها والى راياتهم فنشروها والى زينتهم فأظهروها والى قلوبهم من الغش فطهروها ونفوسهم لله باعوها فلم تكن الا ساعة حتى استعدوا وأقام خالد وعمرو يعبيان قومهما للقتال فجعلا في القلب أصحاب الطعن والضرب مثل الفضل بن العباس وبني عمه من سادات بني هاشم وهم جعفر ومسلم وعلى أولاد عقيل بن أبي طالب وزياد بن أبي سفيان بن الحرث ومثل هؤلاء الابطال وجعل في الجناح الأيمن الزبير بن العوام والمقداد بن الأسود الكندي والمسيب بن نجيبة الفزاري وجعل في الجناح الأيسر القعقاع بن عمرو التميمي وهاشم بن المرقال وغانم بن عياض الأشعري وأبا ذر الغفاري وجابر بن عبد الله الأنصاري ومثل هؤلاء السادات رضي الله عنهم وثبت خالد وعمرو في القلب ومعهما عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق وعبد الله بن عمر بن الخطاب وعقبة بن عامر الجهني وبقية الصحابة من الامراء أصحاب الرايات ممن شهد الوقائع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن عبد الله ابن زيد عن أبي امامة رضي الله عنه وكان من أصحاب الرايات قال فبينما نحن كذلك إذا باعلام المشركين قد انتشرت وراياتهم قد ظهرت وزينتهم وصلبانهم قد ارتفعت ولغتهم بالكفر قد طمطمت وأفيالهم قد أقبلت ورجالهم للقتال قد تبادرت فلما رأى المسلمون ذلك أخلصوا نياتهم ولم يهلهم ما رأوا من عدوهم وتضرعوا بالدعاء لخالقهم وقد استغاثوا بمالكهم وأكثروا من الصلاة على نبيهم ولم يزالوا سائرين حتى قربوا من القوم ورأوهم رأي العين فعند ذلك أمسك المشركون أعنة خيولهم وسلاسل أفيالهم وألقى الله الرعب في قلوبهم ثم خرج منهم بطريق من عظماء بطارقتهم كأنه برج مشيد من ذهب وهو لا يبين منه غير حماليق الحدق وتدوير المآق وبين يديه فارس من
(٢٣٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 230 231 232 233 234 235 236 237 238 239 240 ... » »»