تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٠ - الصفحة ٩٦
البغية لا محالة * (من أحببت) * أي كل من أحبيته طبعا من الناس قومك وغيرهم ولا تقدر أن تدخله في الإسلام وان بذلت فيه غاية المجهود وجاوزت في السعي كل حد معهود، وقيل: من أحببت هدايته.
* (ولكن الله يهدي من يشاء) * هدايته فيدخله في الإسلام * (وهو أعلم بالمهتدين) * بالمستعدين لذلك وهم الذين يشاء سبحانه هدايتهم ومنهم الذي ذكرت أوصافهم من أهل الكتاب، وأفعل للمبالغة في علمه تعالى.
وقيل: يجوز أن يكون على ظاهره، وأفاد كلام بعضهم أن المراد أنه تعالى أعلم بالمهتدي دون غيره عز وجل، وحيث قرنت هداية الله تعالى بعلمه سبحانه بالمهتدي وأنه جل وعلا العالم به دون غيره دل على أن المراد بالمهتدي المستعد دون المتصف بالفعل فيلزم أن تكون هدايته إياه بمعنى القدرة عليها، وحيث كانت هدايته تعالى لذلك بهذا المعنى، وجيء بلكن متوسطة بينها وبين الهداية المنفية عنه صلى الله عليه وسلم لزم أن تكون تلك الهداية أيضا بمعنى القدرة عليها لتقع لكن في موضعها، ولذا قيل: المعنى إنك لا تقدر أن تدخل في الإسلام كل من أحببت لأنك عبد لا تعلم المطبوع على قلبه من غيره ولكن الله تعالى يبقدر على أن يدخل من يشاء إدخاله وهو الذي علم سبحانه أنه غير مطبوع على قلبه، وللبحث فيه مجال، وظاهر عبارة الكشاف حمل نفي الهداية في قوله تعالى: * (إنك لا تهدي من أحببت) * على نفي القدرة على الإدخال في الإسلام وإثباتها في قوله سبحانه: * (ولكن الله يهدي من يشاء) * على وقوع الادخال في الإسلام بالفعل، وهذا وإثباتها في قوله سبحانه: * (ولكن الله يهدي من يشاء) * على وقوع الإدخال في الإسلام بالفعل، وهذا ما اعتمدناه في تفسير الآية، ووجهه أن مساق الآية لتسليته صلى الله عليه وسلم حيث لم ينجع في قومه الذين يحبهم ويحرص عليهم أشد الحرص انذاره عليه الصلاة والسلام إياهم وما جاء به إليهم من الحق بل أصروا على ما هم عليه، وقالوا: * (لولا أوتي مثل ما أوتي موسى) * (القصص: 48) ثم كفروا به وبموسى عليهام الصلاة والسلام فكانوا على عكس قوم هم أجانب عنه صلى الله عليه وسلم حيث آمنوا بما جاء به من الحق وقالوا: إنه الحق من ربنا ثم صرحوا بتقادم إيمانهم به وأشاروا بذلك إلى إيمانهم بنبيهم وبما جاءهم به أيضا فلو لم يحمل إنك لا تهدي من أحببت على نفي القدرة على إدخال من أحبه عليه الصلاة والسلام في الإسلام بل حمل على نفي وقوع ادخاله صلى الله عليه وسلم إياه فيه لبعد الكلام عن التسلية وقرب إلى العتاب فإنه على طرز قولك لمن له أحباب لا ينفعهم إنك لا تنفع أحبابك وهو إذ لم يؤول بأنك لا تقدر على نفع أحبابك فإنما يقال على سبيل العتاب أو التوبيخ أو نحوه دون سبيل التسلية، ولما كان لهدايته تعالى أولئك الذين أوتوا الكتاب مدخلا فيما يستدعي التسلية كان المناسب إبقاء * (ولكن الله يهدي من يشاء) * على ظاهره من وقوع الهداية بالفعل دون القدرة على الهداية وإثبات ذلك له تعالى فرع إثبات القدرة ففي إثباته إثباتها لا محالة فيصادف الاستدراك المحز، وحمل المعتدين على المستعدين للهداية لا يستدعي حمل يهدي على يقدر على الهداية فما ذكر من اللزوم ممنوع؛ ويجوز أن يراد بالمهتدين المتصفون بالهداية بالفعل، والمراد بعلمه تعالى بهم مجازاته سبحانه على اهتدائهم فكأنه قيل: وهو تعالى أعلم بالمهتدين كأولئك الذين ذكروا من أهل الكتاب فيجازيهم على اهتدائهم بأجر أو بأجرين فتأمل، والآية على ما نطقت به كثير من الأخبار نزلت في أبي طالب.
أخرج عبد بن حميد. ومسلم. والترمذي. وابن أبي حاتم. وابن مردويه. والبيهقي في الدلائل عن أبي هريرة قال: لما حضرت وفاة أبي طالب أتاه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا عماه قل لا إله إلا الله
(٩٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 91 92 93 94 95 96 97 98 99 100 101 ... » »»