يؤت بهل التي هي لطلب التصديق المناسب بحسب الظاهر للمقام، وأتى بمن التي هي لطلب التعيين المقتضى لأصل الوجود لإيراد التبكيت والإلزام على زعمهم فإنه أبلغ كما لا يخفى، وجملة * (من إله) * الخ قال أبو حيان: في موضع المفعول الثاني لأرأيتم وجعل الليل مما تنازع فيه أرأيتم وجعل وقال: إنه أعمل فيه الثاني فيكون المفعول الأول للأول محذوفا، وحيث جعلت تلك الجملة في موضع مفعوله الثاني لا بد من تقدير العائد فيها أي من إله غيره يأتيكم بضياء بدله مثلا، وجواب إن محذوف دل عليه ما قبله، وكذا يقال في الآية بعد، وعن ابن كثير أنه قرأ * (بضآء) * بهمزتين * (أفلا تسمعون) * سماع فهم وقبول الدلائل الباهرة والنصوص المتظاهر لتعرفوا أن غير الله تعالى لا يقدر على ذلك.
* (قل أرءيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمدا إلى يوم القيامة من إلاه غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه أفلا تبصرون) * * (قل أرأيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمدا إلى يوم القيامة) * بإسكان الشمس في وسط السماء مثلا * (من إلاه غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه) * استراحة من متاعب الأشغال * (أفلا تبصرون) * الشواهد المنصوبة الدالة على القدرة الكاملة لتقفوا على أن غير الله تعالى لا قدرة له على ذلك، ويعلم مما ذكرنا أن كلا من جملتي أفلا تسمعون وأفلا تبصرون تذييل للتوبيخ الذي يعطيه قوله تعالى: * (أرأيتم إن جعل الله عليكم) * (القصص: 71) الخ قبله، وأفاد الزمخشري أن ظاهر التقابل يقتضي ذكر النهار والتصرف فيه إلا أن العدول عن ذلك إلى الضياء وهو ضوء الشمس للدلالة على أنه يتضمن منافع كثيرة منها التصرف فلو أتى بالنهار لاستدعى القصر على تلك المنفعة من ضرورة التقابل ولأن المنافع للضياء لا للنهار على أن النهار أيضا من منافعه، ثم استشعر أن يقال: فلم لم يؤت بالظلام بدل الليل في الآية الثانية لتتم المقابلة من هذا الوجه؟ وأجاب بأنه ليس بتلك المنزلة فلا هو مقصود في ذاته كالضياء ولا أن المنافع من روادفه مع ما فيهما من الاستئناس والاشمئزاز، بل لو تأمل حق التأمل وجد حكم بأن الليل من منافع الضياء أيضا والظلام من ضرورات كون الشمس المضيئة تحت الأرض وإلقاء ظل الليل، ثم أفاد أن التفصلة وهو التذييل المذكور فيها إرشاد إلى هذه النكتة فءن قوله تعالى: * (أفلا تسمعون) * يدل على أن التوبيخ بعدم التأمل في الضياء أكثر من حيث إن مدرك السمع أكثر. والمراد ما يدركه العقل بواسطة السمع فلا يرد أن مدركه الأصوات وحدها ومدرك البصر أكثر من ذلك، وذلك أن ما لا يدرك بحس أصلا يدرك بواسطة السمع إذا عبر عنه المعبر بعبارة مفهمة، وأما ما يدرك بالبصر فمن مشاهدة المبصرات وهي قليلة، وأما المطالعة من الكتب فإنها أضيق مجالا من السمع وقرعه كذا في " الكشف "، والعلامة الطيبي قرر عبارة الكشاف بما قرر ثم قال: الأبعد من التكلف أن يجعل أفلا تسمعون تذييلا للتوبيخ المستفاد من أرأيتم الخ قبله وكذا * (أفلا تبصرون) * على ما في المعالم أفلا تسمعون سماع فهم وقبول أفلا تبصرون ما أنتم عليه من الخطأ ليجتمع لهم الصمم والعمى من الإعراض عن سماع البراهين والإغماض عن رؤية الشواهد.
ولما كانت استدامة الليل أشق من استدامة النهار لأن النوم الذي هو أجل الغرض فيه شبيه الموت والابتغاء من فضل الله تعالى الذي هو بعض فوائد النهار شبيه بالحياة قيل في الأول أفلا تسمعون أي سماع فهم وفي الثاني أفلا تبصرون أي ما أنتم عليه من الخطأ ليطابق كل من التذييلين الكلام السابق من التشديد والتوبيخ، وذكر في حاصل المعنى ما ذكرناه أولا ثم قال: وفيه أن دلالة النص أولى وأقدم من العقل، وصاحب الكشف قرر