تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢ - الصفحة ٥٢
شرع القصاص والعلم به يروع القاتل عن القتل، فكيون سبب حياة نفسين في هذه النشأة، ولأنهم كانوا يقتلون غير القاتل، والجماعة بالواحد، فتثور الفتنة بينهم، وتقوم حرب البسوس على ساق، فإذا اقتص من القاتل سلم الباقون - ويصير ذلك سببا لحياتهم - ويلزم على الأول: الإضمار، وعلى الثاني: التخصيص، وأما الحياة الأخروية بناءا على أن القاتل إذا اقتص منه في الدنيا لم يؤاخذ بحق المقتول في الآخرة، وعلى هذا يكون الخطاب خاصا بالقاتلين، والظاهر أنه عام والظرفان إما خبران لحياة أو أحدهما خبر والآخر صلة له، أو حال من المستكن فيه. وقرأ أبو الجوزاء * (في القصص) * وهو مصدر بمعنى المفعول، والمراد من المقصوص هذا الحكم بخصوصه - أو القرآن مطلقا - وحينئذ يراد - بالحياة - حياة القلوب لا حياة الأجساد، وجوز كون القصص مصدرا بمعنى القصاص فتبقى - الحياة - على حالها.
* (يأولي الألب‍اب) * يا ذوي العقول الخالصة عن شوب الهوى، وإنما خصهم بالنداء مع أن الخطاب السابق عام لأنهم أهل التأمل في حكمة القصاص من استبقاء الأرواح وحفظ النفوس، وقيل: للإشارة إلى أن الحكم مخصوص بالبالغين دون الصبيان * (لعلكم تتقون) * ربكم باجتناب معاصيه المفضية إلى العذاب أو القتل بالخوف من القصاص وهو المروي عن ابن عباس والحسن وزيد رضي الله تعالى عنهم، والجملة متعلقة بأول الكلام.
* (كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والاقربين بالمعروف حقا على المتقين) * * (كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت) * بيان حكم آخر من الأحكام المذكورة، وفصله عما سبق للدلالة على كونه حكما مستقلا - كما فصل اللاحق لذلك - ولم يصدره بيا أيها الذين آمنوا لقرب العهد بالتنبيه مع ملابسته بالسابق في كون كل منهما متعلقا بالأموات، أو لأنه لما لم يكن شاقا لم يصدره كما صدر الشاق تنشيطا لفعله، والمراد من - حضور الموت - حضور أسبابه، وظهور أماراته من العلل والأمرار المخوفة، أو حضوره نفسه ودونه، وتقديم المفعول لإفادة كمال تمكن الفعل عند النفس وقت وروده عليها.
* (إن ترك خ‍ايرا) * أي مالا - كما قال ابن عباس رضي الله تعالى عنه ومجاهد - وقيده بعضهم بكونه كثيرا إذ لا يقال في العرف للمال خيرا إلا إذا كان كثيرا، كما لا يقال: فلان ذو مال إلا إذا كان له مال كثير، ويؤيده ما أخرجه البيهقي وجماعة - عن عروة - أن عليا كرم الله تعالى وجهه دخل على مولى له في الموت وله سبعمائة درهم أو ستمائة درهم، فقال: ألا أوصي؟ قال: لا إنما قال الله تعالى: * (إن ترك خيرا) * وليس لك كثير مال، فدع مالك لورثتك. وما أخرجه ابن أبي شيبة عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن رجلا قال لها: أريد أن أوصي، قالت: كم مالك؟ قال: ثلاثة آلاف، قالت: كم عيالك؟ قال: أربعة، قالت: قال الله تعالى: * (إن ترك خيرا) * وهذا شيء يسير فاتركه لعيالك فهو أفضل، والظاهر من هذا أن الكثرة غير مقدرة بمقدار، بل تختلف باختلاف حال الرجل فإنه بمقدار من المال يوصف رجل بالغنى ولا يوصف به غيره لكثرة العيال. وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما تقديرها، فقد أخرج عبد بن حميد عنه: " من لم يترك ستين دينارا لم يترك خيرا " ومذهب الزهري أن الوصية مشروعة مما قل أو كثر، - فالخير - عنده المال مطلقا - وهو أحد إطلاقاته - ولعل اختياره إيذانا بأنه ينبغي أن يكون الموصي به حلالا طيبا لا خبيثا لأن الخبيث يجب رده إلى أربابه ويأثم بالوصية فيه.
* (الوصية للوالدين والأقربين) * مرفوع بكتب وفي الرضى إذا كان الظاهر غير حقيقي التأنيث منفصلا فترك
(٥٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 ... » »»