تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٧ - الصفحة ٣١٠
قيل لهم أنفقوا مما رزقكم الله) * [يس: 47] الآية وتقدم الكلام في الحروف المقطعة في أول البقرة. قال ابن جبير هنا: إنه اسم من أسماء محمد - صلى الله عليه وسلم - ودليله (إنك من المرسلين)، قال السيد الحميري:
* يا نفس لا تمخضي بالود جاهدة * على المودة إلا آل ياسينا * وقال ابن عباس معناه: ' يا إنسان بالحبشية '. وعنه: ' هو في لغة طيىء، وذلك أنهم يقولون إيسان بمعنى إنسان ويجمعونه على أياسين فهذا منه '. وقالت فرقة: (يا) حرف نداء. والسين مقامة مقام إنسان انتزع منه حرف فأقيم مقامه. وقال الزمخشري: ' إن صح أن معناه يا إنسان في لغة طيىء، فوجهه أن يكون أصله: يا أنيسين، فكثر النداء على ألسنتهم حتى اقتصروا على شطره، كما قالوا في القسم م / الله في أيمن الله '. انتهى. والذي نقل عن العرب في تصغيرهم إنسان أنيسيان بياء بعدها ألف، فدل على أنه أصله أنيسان، لآن التصغير يرد الأشياء إلى أصولها، ولا نعلمهم قالوا في تصغيرة: أنيسين. وعلى تقدير أنه بقية أنيسين فلا يجوز ذلك، لا أن يبنى على الضم ولا يبقى موقوفا، لأنه منادى مقبل عليه مع ذلك فلا يجوز لأنه تحقير ويمتنع ذلك في حق النبوة. وقوله: ' كما قالوا في القسم م الله في أيمن الله '. هذا قول ومن النحويين من يقول: إن م حرف قسم وليس مبقي من أيمن. وقرئ بفتح الياء وإمالتها محضا وبين اللفظين. وقرأ الجمهور بسكون النون مدغمة في الواو، ومن السبعة الكسائي وأبو بكر وورش وابن عامر. مظهرة عند باقي السبعة. وقرأ الجمهور بسكون النون بفتح النون. وقال قتادة: ' (يس) قسم ' قال أبو حاتم: فقياس هذا القول فتح النون، كما تقول: الله لأفعلن كذا. وقال النجاج: ' النصب كأنه قال أتل يس وهذا على مذهب سيبوية أنه اسم للسورة '. وقرأ الكلبي بضم النون وقال: ' هي بلغة طيىء يا إنسان '، وقرأ السماك وابن أبي إسحاق أيضا بكسرها. قيل: والحركة لالتقاء الساكنين، فالفتح كائن طلبا للتخفيف. والضم كحيث. والكسر على أصل التقائهما. وإذا قيل إنه قسم فيجوز أن يكون معربا بالنصب على ما قال أبو حاتم. والرفع على الابتداء نحو أمانة الله لأقومن. والجر على إضمار حرف الجر، وهو جائز عند الكوفيين. و (الحكيم) إما فعيل بمعنى مفعل كما تقول عقدت العسل فهو عقيد أي معقد وإما للمبالغة من حاكم وإما على معنى السبب. أي: ذي حكمة (على صراط) خبر ثان أو في موضع الحال منه - عليه السلام - أو من (المرسلين) أو متعلق بالمرسلين. والصراط المستقيم: شريعة الإسلام. وقرأ طلحة والأشهب وعيسى بخلاف عنهما وابن عامر وحمزة الكسائي (تنزيل) بالنصب على المصدر. وباقي السبعة وأبو بكر وأبو جعفر وشيبة والحسن والأعرج والأعمش بالرفع خبر مبتدأ محذوف. أي: هو تنزيل. وأبو حيوة واليزيدي والقورصي عن أبي جعفر وشبية بالخفض إما على البدل من (القرآن) وإما على الوصف بالمصدر (لتنذر) متعلق ب (تنزيل) أو ب (أرسلنا) مضمرة. (ما أنذر) قال عكرمة: بمعنى الذي، أي الشيء الذي أنذره آباؤهم من العذاب ف (ما) مفعول ثان. كقوله: * (إنا أنذرناكم عذابا قريبا) * [النبأ: 40]، قال ابن عطية: ' ويحتمل أن يكون (ما) مصدرية. أي: ما أنذر آباءهم والآباء على هذا: هم الآقدمون من ولد إسماعيل وكانت النذارة فيهم. و (فهم) على هذا للتأويل بمعنى فإنهم، دخلت الفاء، لقطع الجملة من الجملة الواقعة صلة فتتعلق بقوله (إنك لمن المرسلين لتنذر) كما تقول أرسلنك إلى فلان لتنذره، فإنه غافل أو فهو غافل. وقال قتادة: ' (ما) نافية. أي: إن آباءهم لم ينذروا ف (آباؤهم) على هذا هم القريبون منهم. و (ما أنذر) في موضع الصفة. أي: غير منذر آباؤهم و (فهم غافلون) متعلق بالنفي. أي: لم ينذروا فهم
(٣١٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 305 306 307 308 309 310 311 312 313 314 315 ... » »»