والظاهر أن * (استكبارا) * مفعول من أجله، أيسبب النفور وهو الاستكبار، * (ومكر) * معطوف على * (واستكبروا استكبارا) *، فهو مفعول من أجله أيضا، أي الحامل لهم على الابتعاد من الحق هو الاستكبار؛ * (* والمكر السيء) *، وهو الخداع الذي ترومونه برسول الله صلى الله عليه وسلم)، والكيد له. وقال قتادة: المكر السيء هو الشرك. وقيل: * (وأصروا واستكبروا استكبارا) * بدل من * (نفورا) *، وقاله الأخفش. وقيل: حال، يعني مستكبرين وماكرين برسول الله صلى الله عليه وسلم) والمؤمنين، ومكر السيء من إضافة الموصوف إلى صفته، ولذلك جاء على الأصل: * (ولا يحيق المكر) *. وقيل: يجوز أن يكون * (ومكر) * معطوفا على * (إلا نفورا) *. وقرأ الجمهور: ومكر السيء، بكسر الهمزة؛ والأعمش، وحمزة: بإسكانها، فإما إجراء للوصل مجرى الوقف، وإما إسكانا لتوالي الحركات وإجراء للمنفصل مجرى المتصل، كقوله: لنا ابلان. وزعم الزجاج أن هذه القراءة لحن. قال أبو جعفر: وإنما صار لحنا لأنه حذف الإعراب منه. وزعم محمد بن يزيد أن هذا لا يجوز في كلام ولا شعر، لأن حركات الإعراب دخلت للفرق بين المعاني، وقد أعظم بعض النحويين أن يكون الأعمش يقرأ بهذا، وقال: إنما كان يقف على من أدى عنه، والدليل على هذا أنه تمام الكلام، وأن الثاني لما لم يكن تمام الكلام أعربه، والحركة في الثاني أثقل منها في الأول لأنها ضمة بين كسرتين. وقال الزجاج أيضا: قراءة حمزة ومكر السيء موقوفا عند الحذاق بياءين لحن لا يجوز، وإنما يجوز في الشعر للاضطرار. وأكثر أبو علي في الحجة من الاستشهاد، والاحتجاج للإسكان من أجل توالي الحركات والاضطرار، والوصل بنية الوقف، قال: فإذا ساغ ما ذكرناه في هذه القراءة من التأويل، لم يسغ أن يقال لحن. وقال ابن القشيري: ما ثبت بالاستفاضة أو التواتر أنه قرىء به فلا بد من جوازه، ولا يجوز أن يقال لحن. وقال الزمخشري: لعله اختلس فظن سكونا، أو وقف وقفة خفيفة، ثم ابتدأ * (ولا يحيق) *. وروي عن ابن كثير: ومكر السيء، بهمزة ساكنة بعد السين وياء بعدها مكسورة، وهو مقلوب السيء المخفف من السيء، كما قال الشاعر:
* ولا يجزون من حسن بسي * ولا يجزون من غلظ بلين * وقرأ ابن مسعود: ومكرا سيئا، عطف نكرة على نكرة؛ * (ولا يحيق) *: أي يحيط ويحل، ولا يستعمل إلا في المكروه. وقرئ: يحيق بالضم، أي بضم الياء؛ المكر السيء: بالنصب، ولا يحيق الله إلا بأهله، أما في الدنيا فعاقبة ذلك على أهله. وقال أبو عبد الله الرازي: فإن قلت: كثيرا نرى الماكر يفيده مكره ويغلب خصمه بالمكر، والآية تدل على عدم ذلك. فالجواب من وجوه: أحدها: أن المكر في الآية هو المكر بالرسول من العزم على القتل والإخراج، ولا يحيق إلا بهم حيث قتلوا ببدر. وثانيها: أنه عام، وهو الأصح، فإنه عليه السلام نهى عن المكر وقال: (لا تمكروا ولا تعينوا ماكرا، فإنه تعالى يقول: * (ولا يحيق المكر السيىء إلا بأهله) *، فعلى هذا يكون ذلك الممكور به أهلا فلا يزد نقصا). وثالثها: أن الأمور بعواقبها، ومن مكر به غيره ونفذ فيه المكر عاجلا في الظاهر، ففي الحقيقة هو الفائز، والماكر هو الهالك. انتهى.
وقال كعب لابن عباس في التوراة (من حفر حفرة لأخيه وقع فيها)، فقال له ابن عباس: إنا وجدنا هذا في كتاب الله، * (ولا يحيق المكر السيىء إلا بأهله) *. انتهى.
وفي أمثال العرب (من حفر لأخيه جبا وقع فيه منكبا). و * (قل للذين) *: إنزال العذاب على الذين كفروا برسلهم من الأمم، وجعل استقبالهم لذلك انتظارا له منهم. وسنة الأولين أضاف فيه المصدر. وفي * (لسنة الله) * إضافة إلى الفاعل، فأضيفت أولا إليهم لأنها سنة بهم، وثانيا إليه لأنه هو الذي سنها. وبين تعالى الانتقام من مكذبي الرسل عادة لا يبدلها بغيرها ولا