تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٣ - الصفحة ١٧٧
يعطين رغبة ورهبة، فأيما امرأة أعطت زوجها ثم أرادت أن ترجع فلها ذلك. قال شريح: لو طابت نفسها لما رجعت. وقال عبد الملك: قال تعالى: * (فلا تأخذوا منه شيئا) * وكلا القولين خلاف الظاهر من هذه الآية. وفي تعليق القبول على طيب النفس ذون لفظة الهبة أو الإسماح، دلالة على وجوب الاحتياط في الأخذ، وإعلام أن المراعى هو طيب نفسها بالموهوب. وفي قوله: هنيئا مريئا مبالغة في الإباحة والقبول وزوال التبعة.
* (ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التى جعل الله لكم قياما) * قال ابن مسعود والحسن والضحاك والسدي وغيرهم: نزلت في ولد الرجل الصغار وامرأته. وقال ابن جبير: في المحجورين. وقال مجاهد: في النساء خاصة. وقال أبو موسى الأشعري والطبري وغيرهما: نزلت في كل من اقتضى الصفة التي شرط الله من السفه كائنا من كان. ويضعف قول مجاهد أنها في النساء، كونها جمع سفيهة، والعرب إنما تجمع فعيلة على فعائل أو فعيلات قاله: ابن عطية. ونقلوا أن العرب جمعت شفيهة على سفهاء، فهذا اللفظ قد قالته العرب للمؤنث، فلا يضعف قول مجاهد. وإن كان جمع فعيلة الصفة للمؤنث نادرا لكنه قد نقل في هذا اللفظ خصوصا. وتخصيص ابن عطية جمع فعيلة بفعائل أو فعيلات ليس بجيد، لأنه يطرد فيه فعال كظريفة وظراف، وكريمة وكرام، ويوافق في ذلك المذكر. وإطلاقه فعيلة دون أن يخصها بأن لا يكون بمعنى مفعولة نحو: قتيلة، ليس بجيد، لأن فعيلة لا تجمع على فعائل.
وقيل: عنى بالسفهاء الوارثين الذين يعلم من حالهم أنهم يتسفهون في استعمال ما تناله أيديهم، فنهى عن جمع المال الذي ترثه السفهاء. والسفهاء: هم المبذرون الأموال بالإنفاق فيما لا ينبغي، ولا يد لهم بإصلاحها وتثميرها والتصرف فيها. والظاهر في قوله: أموالكم أن المال مضاف إلى المخاطبين بقوله: ولا تؤتوا. قال أبو موسى الأشعري وابن عباس والحسن وقتادة: نهى أن يدفع إلى السفيه شيء من مال غيره، وإذا وقع النهي عن هذا فإن لا يؤتى شيئا من مال نفسه أولى وأحرى بالنهي، وعلى هذا القول: وهو أن يكون الخطاب لأرباب الأموال. قيل: يكون في ذلك دلالة على أن الوصية للمرأة جائزة، وهو قول عامة أهل العلم. وأوصى عمر إلى حفصة. وروي عن عطاء: أنها لا تكون وصيا. قال: ولو فعل حولت إلى رجل من قومه.
قيل: ويندرج تحتها الجاهل بأحكام البيع. وروي عن عمر أنه قال: (من لم يتفقه في الدين فلا يتجر في أسواقنا، والكفار). وكره العلماء أن يوكل المسلم ذميا بالبيع والشراء، أو يدفع إليه يضاربه. وقال ابن جبير: يريد أموال السفهاء، وإضافها إلى المخاطبين تغبيط بالأموال، أي: هي لهم إذا احتاجوها كأموالكم التي تقي أغراضكم وتصونكم وتعظم أقذاركم. ومن مثل هذا: * (ولا تقتلوا أنفسكم) * وما جرى مجراه. وهذا القول ذكره الزمخشري أولا قال: والخطاب للأولياء، وأضاف الأموال إليهم لأنها من جنس ما يقيم به الناس معائشهم. كما قال: ولا تقتلوا أنفسكم، * (فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات) *، والدليل على أنه خطاب للأولياء في أموال اليتامى قوله: * (وارزقوهم فيها واكسوهم) *.
وقرأ الحسن والنخعي: اللاتي. وقرأ الجمهور: التي. قال ابن عطية: والأموال جمع لا يعقل، فالأصوب فيه قراءة الجماعة انتهى. واللاتي جمع في المعنى للتي، فكان قياسه أن لا يوصف به الإماء وصف مفرده بالتي، والمذكر لا يوصف بالتي سواء كان عاقلا أو غير عاقل، فكان قياس جمعه أن لا يوصف بجمع التي الذي هو اللاتي. والوصف بالتي يجري مجرى الوصف بغيره من الصفات التي تلحقها التاء للمؤنث. فإذا كان لنا جمع لا يعقل فيجوز أن يجري الوصف عليه كجريانه على الواحدة المؤنثة، ويجوز أن يجري الوصف عليه كجريانه على جمع المؤنثات فتقول: عندي جذوع منكسرة، كما تقول: امرأة طويلة، وجذوع منكسرات. كما تقول:
(١٧٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 172 173 174 175 176 177 178 179 180 181 182 ... » »»