الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٤ - الصفحة ٢٥
وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون. قالوا إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين. فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم. إنا كنا من قبل ندعوه إنه هو البر الرحيم.
فذكر فما أنت بنعمة ربك بكاهن ولا مجنون. أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون. قل تربصوا فإني معكم من المتربصين. أم تأمرهم أحلامهم بهذا أم هم قوم طاغون. أم يقولون تقوله بل لا يؤمنون. فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين. أم خلقوا من غير شئ أم هم الخالقون. أم خلقوا السماوات
____________________
الخادم فكيف المخدوم؟ فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " والذي نفسي بيده إن فضل المخدوم على الخادم كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب " وعنه عليه الصلاة والسلام " إن أدنى أهل الجنة منزلة من ينادى الخادم من خدامه فيجيبه ألف ببابه: لبيك لبيك " (يتساءلون) يتحادثون ويسأل بعضهم بعضا عن أحواله وأعماله وما استوجب به نيل ما عند الله (مشفقين) أرقاء القلوب من خشية الله. وقرئ ووقانا بالتشديد (عذاب السموم) عذاب النار ووهجها ولفحها. والسموم: الريح الحارة التي تدخل المسام فسميت بها نار جهنم لأنها بهذه الصفة (من قبل) من قبل لقاء الله تعالى والمصير إليه يعنون في الدنيا (ندعوه) نعبده ونسأله الوقاية (إنه هو البر) المحسن (الرحيم) العظيم الرحمة الذي إذا عبد أثاب وإذا سئل أجاب. وقرئ أنه بالفتح بمعنى لأنه (فذكر) فأثبت على تذكير الناس وموعظتهم ولا يثبطنك قولهم كاهن أو مجنون ولا تبال به فإنه قول باطل متناقض، لأن الكاهن يحتاج في كهانته إلى فطنة ودقة نظر، والمجنون مغطى على عقله، وما أنت بحمد الله وإنعامه عليك بصدق النبوة ورجاحة العقل أحد هذين. وقرئ يتربص به ريب المنون على البناء للمفعول، وريب المنون: ما يقلق النفوس ويشخص بها من حوادث الدهر، قال: * أمن المنون وريبه تتوجع * وقيل المنون الموت، وهو في الأصل فعول من منه إذا قطعه لأن الموت قطوع ولذلك سميت شعوب، قالوا ننتظر به نوائب الزمان فيهلك كما هلك من قبله من الشعراء زهير والنابغة (من المتربصين) أتربص هلاككم كما تتربصون هلاكي (أحلامهم) عقولهم وألبابهم، ومنه قولهم: أحلام عاد، والمعنى: أتأمرهم أحلامهم بهذا التناقض في القول وهو قولهم كاهن وشاعر مع قولهم مجنون، وكانت قريش يدعون أهل الأحلام والنهى (أم هم قوم طاغون) مجاوزون الحد في العناد مع ظهور الحق لهم. فإن قلت: ما معنى كون الأحلام آمرة؟ قلت: هو مجاز لأدائها إلى ذلك كقوله تعالى - أصلواتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا - وقرئ بل هم قوم طاغون - (تقوله) اختلقه من تلقاء نفسه (بل لا يؤمنون) فلكفرهم وعنادهم يرمون بهذه المطاعن مع علمهم ببطلان قولهم وأنه ليس بمتقول لعجز العرب عنه وما محمد إلا واحد من العرب.
وقرئ بحديث مثله على الإضافة والضمير لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعناه: أن مثل محمد في فصاحته ليس بمعوز في العرب، وإن قدر محمد على نظمه كان مثله قادرا عليه فليأتوا بحديث ذلك المثل (أم خلقوا) أم أحدثوا وقدروا التقدير الذي عليه فطرتهم (من غير شئ) من غير مقدر (أم هم) الذين خلقوا أنفسهم حيث لا يعبدون
(٢٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 ... » »»