الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٢٩٣
قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون * فاليوم لا يملك بعضكم لبعض نفعا ولا ضرا ونقول للذين ظلموا ذوقوا عذاب النار التي كنتم بها تكذبون وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قالوا ما هذا إلا رجل يريد أن يصدكم عما كان يعبد آباؤكم وقالوا ما هذا إلا إفك مفترى وقال الذين كفروا للحق لما جاءهم إن هذا إلا سحر مبين وما آتيناهم من كتب يدرسونها وما أرسلنا إليهم قبلك من نذير
____________________
واسمعي يا جارة، ونحو قوله تعالى - أنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله - وقد علم سبحانه كون الملائكة وعيسى منزهين براء مما وجه عليهم من السؤال الوارد على طريق التقرير، والغرض أن يقول ويقوموا ويسأل ويجيبوا، فيكون تقريعهم أشد وتعييرهم أبلغ وخجلهم أعظم وهو أنهم ألزم، ويكون اقتصاص ذلك لطفا لمن سمعه وزاجرا لمن اقتص عليه. والموالاة خلاف المعاداة، ومنها " اللهم وال من والاه وعاد من عاداه " وهي مفاعلة من الولي وهو القرب، كما أن المعاداة من العدواء وهي البعد، والولي يقع على الموالي والموالي جميعا، والمعنى: أنت الذي نوليه من دونهم إذ لا موالاة بيننا وبينهم، فبينوا بإثبات موالاة الله ومعاداة الكفار براءتهم من الرضا بعبادتهم لهم " لان من كان على هذه الصفة كانت حاله منافية لذلك (بل كانوا يعبدون الجن) يريدون الشياطين حيث أطاعوهم في عبادة غير الله. وقيل صورت لهم الشياطين صور قوم من الجن وقالوا: هذه صور الملائكة فاعبدوها. وقيل كانوا يدخلون في أجواف الأصنام إذا عبدت فيعبدون بعبادتها. وقرئ نحشرهم ونقول بالنون والياء. الامر في ذلك اليوم لله وحده لا يملك فيه أحد منفعة ولا مضرة لاحد، ولان الدار دار ثواب وعقاب والمثيب والمعاقب هو الله فكانت حالها خلاف حال الدنيا التي هي دار تكليف والناس فيها مخلى بينهم يتضارون ويتنافعون، والمراد أنه لا ضار ولا نافع يومئذ إلا هو وحده. ثم ذكر معاقبته الظالمين بقوله (ونقول للذين ظلموا) معطوفا على لا يملك. الإشارة الأولى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، والثانية إلى القرآن، والثالثة إلى الحق والحق أمر النبوة كله ودين الاسلام كما هو، وفي قوله (وقال الذين كفروا) وفي إن لم يقل وقالوا وفي قوله (للحق لما جاءهم) وما في اللامين من الإشارة إلى القائلين والمقول فيه، وفي لما من المبادهة بالكفر دليل على صدور الكلام عن إنكار عظيم وغضب شديد وتعجيب من أمرهم بليغ كأنه قال: وقال أولئك الكفرة المتمردون بجراءتهم على الله ومكابرتهم لمثل ذلك الحق النير قبل أن يذوقوه (إن هذا إلا سحر مبين) فبتوا القضاء على أنه سحر ثم بتوه على أنه بين ظاهر كل عاقل تأمله سماه سحرا، وما آتيناهم كتبا يدرسونها فيها برهان على صحة الشرك ولا أرسلنا إليهم نذيرا ينذرهم بالعقاب إن لم يشركوا كما قال عز وجل - أم أنزلنا عليهم سلطانا فهو يتكلم بما كانوا به يشركون - أو وصفهم بأنهم قوم أميون أهل جاهلية لا ملة لهم وليس لهم عهد بإنزال كتاب ولا بعثة رسول كما قال - أم آتيناهم كتابا من قبله فهم به مستمسكون - فليس لتكذيبهم وجه متشبث ولا شبهة متعلق كما يقول أهل الكتاب وإن كانوا
(٢٩٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 288 289 290 291 292 293 294 295 296 297 298 ... » »»