قال في المنية: الوكيل بالبيع المطلق باع بثمن مؤجل جاز وإن طالت المدة، قيل على قوله الامام.
وعندهما: جاز بأجل متعارف في تلك السلعة وبدونه لا. وعن أبي يوسف: إن وكله ببيعه للتجارة جاز بالنسيئة، وإن وكله به لحاجة إلى النفقة أو قضاء الدين لا. قوله: (ومتى عين الآمر شيئا تعين) قال في المحيط: الموكل متى شرط في البيع على الوكيل شرطا ينظر، إن كان مفيدا نافعا من كل وجه يجب على الوكيل مراعاته شرطه أكد بالنفي أو لا، وإن كان شرطا لا يفيد ولا ينفعه بل يضره لا يجب مراعاته، وإن أكده بالنفي، وإن كان شرطا مفيدا نافعا من وجه ضارا من وجه إن أكده بالنفي يجب مراعاته، وإن لم يؤكده بالنفي لا يجب مراعاته، لأنه متى أكده بالنفي دل على إرادة وجوه، لان إدخال حرف التأكيد والتأبيد في الكلام يدل على زيادة المبالغة في إرادة الحال.
مثال الأول: بعه بخيار فباعه بغير خيار لا يجوز، فإن شرط الخيار نافع مفيد من كل وجه، لأنه لا يزيل ملكه للحال فيجب على الوكيل مراعاته.
ومثال الثاني: لو قال بع هذا العبد بنسيئة أو قال لا تبع إلا بالنسيئة فباع بالنقد جاز، لان هذا شرط غير مفيد، لان البيع بالنسيئة يضره بالنقد وينفعه فلم يجب عليه مراعاته.
ومثال الثالث: ادفع بشهود أو بحضرة فلان فدفع بغير ذلك لم يضمن، وإن قال لا تدفع إلا بشهود أو بحضرة فلان فقضاه بغير شهود أو بغير حضرة فلان يضمن كما في الوكيل بالبيع، قالوا:
هذا إذا كان رجلا رفيع القدر تحتشم الناس مخالفته، وإن كان وضيع القدر لا يصير مخالفا لأنه شرط شرطا لا يفيد فلا يجب على المأمور مراعاته، وإن أكده بالنفي كما لو قال لا تبع إلا بألف أو لا تبع إلا بالنسيئة فباع بألفين أو بالنقد جاز لأنه غير مفيد أصلا، ومنه لا تبعه في سوق كذا فباعه في غيره نفذ، لا تبعه إلا في سوق كذا لا ينفذ: أي عند التفاوت الرغبات ا ه. ومثله في الحواشي الحموي، وقدمنا نظيره عند قوله وباستيفائها فراجعه.
أقول: لم يظهر لي التمثيل في الثاني بقوله بع هذا العبد نسيئة الخ لأنه نافع من وجه دون وجه، لان بالنسيئة يزيد الثمن، فإذا باعه نقدا فاتت زيادة الثمن، إلا أن يقال: إذا اتحد الثمن في النسيئة والنقد. تأمل. قوله: (إلا في بعه بالنسيئة بألف) قيد ببيان الثمن، تعيين الثمن وباع بالنقد لا يجوز كما بينه في البحر. وأما لو قال بعه إلى أجل من غير تعيين الثمن فباع بالنقد، قال الامام السرخسي:
الأصح أنه لا يجوز بالاجماع. ا ه. قال البحر: ولا مخالفة بين الفرعين لان ما تقدم عين له ثمنا وهذه لم يعينه. ا ه.
أقول: لعل وجه عدم الجواز فيما إذا لم يعين الثمن أن البيع نسيئة يكون بثمن أزيد من ثمن المبيع بالنقد فيكون مراده البيع بالثمن الزائد، لأنه قد يكون الثمن الزائد في المانع أنفع له من الثمن الأقل في الحال لعدم احتياجه إليه الآن، وهذا بخلاف المسألة الأولى، لأنه قد باعه بالنقد بالثمن الذي أمره ببيعه به بالنسيئة فقد حصل له الثمن الزائد في الحالة مع أنه دفع عنه عرضه الهلاك بإفلاس المشتري أو جحوده، وبهذا اتضح وجه عدم المخالفة، وقدمنا عن المحيط قريبا وكذا أول الباب عند قول المصنف وبإفائها واستيفائها أن الشرط تارة يجب اعتباره مطلقا، وتارة لا يجب مطلقا، وتارة يجب إن قيده بالنفي لا تغفل. ثم إن الفرع الثاني إنما يظهر إذا باع بالنقد ولم يكن ما باع به مثل ما يباع بلا نقد، أما لو كان فلا يظهر بين الفرعين فرق.