بالبينة أو الاقرار لا بعلمه فهي مستثناة، ولا يصح القضاء لمن لا تقبل شهادته له إلا في مسألة ما إذا ورد عليه كتاب القاضي فإنه يقضي له كما في السراج الوهاج، وكتبناه في فوائد القضاء وسنتكلم عليه إن شاء الله تعالى في الشهادات. ولو ولى السلطان قاضيا مشركا على الكفار فظاهر تعليل الخلاصة الصحة وهو ظاهر لأنه أهل للشهادة عليهم، وسألت عن تولية الباشاه بالقاهرة قاضيا ليحكم في حادثة خاصة مع وجود قاضيها المولى من السلطان فأجبت بعدم الصحة لأنه لم يفوض إليه تقليد القضاء ولذا لو حكم بنفسه لم يصح كما قدمناه قوله:
(والفاسق أهل للقضاء كما هو أهل للشهادة إلا أنه لا ينبغي أن يقلد) لما قدمنا أنهما من باب واحد، ولا ينبغي تقليده لأن القضاء من باب الأمانة والفاسق لا يؤتمن في أمر الدين لقلة مبالاته به كما لا ينبغي قبول شهادته فإن قبلها نفذ الحكم بها وفي غير موضع ذكر الأولوية عين الأولى أن لا تقبل شهادته وإن قبل جاز. وفي فتح القدير: ومقتضي الدليل أن لا يحل أن يقضي بها فإن قضى جاز ونفذ ا ه. ومقتضاه الاثم وعلى الأول لا يأثم، وظاهر الآية يفيد أنه لا يحل قبولها قبل تعرف حاله وهي قوله * (إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين) * [الحجرات: 6] وقولهم بوجوب السؤال عن الشاهد سرا وعلانية طعن الخصم أولا في سائر الحقوق على قولهما المفتي به يقتضي أن يأثم بتركه لأنه للتعرف عن حاله حتى لا يقبل الفاسق. وصرح في اصلاح الايضاح بأن من قلد فاسقا يأثم وإن قبل القاضي شهادته يأثم، واستثنى أبو يوسف من الفاسق إذا شهد أن يكون ذا جاه ومروءة فإنه يجب قبول شهادته كما في البزازية. فعلى هذا يجوز تقليده القضاء إلا أن يكون أبو يوسف فارقا بينهما. والفسق لغة الخروج عن الاستقامة، كذا في المغرب. وشرعا ارتكاب كبيرة أو الاصرار على صغيرة كما في الخزانة. والعدالة اجتناب الكبائر والاصرار على صغيرة واجتناب فعل ما يخل بالمروءة كما سيأتي في الشهادات، فإذا ارتكب ما يخلها خرج عن كونه عدلا وإن لم يصر فاسقا به.
قوله: (ولو كان عدلا ففسق لا ينعزل ويستحق العزل) أي فسق بأخذ الرشوة أو بغيره من الزنا وشرب الخمر، وما ذكره المؤلف من صحة تولية الفاسق وعدم عزله لو فسق هو ظاهر المذهب كما في الهداية وهو قول عامة المشايخ وهو الصحيح كما في الخانية. وعن علمائنا الثلاثة في النوادر أنه لا يجوز قضاؤه. وقال بعض المشايخ: إذا قلد الفاسق ابتداء