البحر الرائق - ابن نجيم المصري - ج ٦ - الصفحة ٢٥٦
لكونه ساعيا في نقض ما تم من جهته، وكل من سعى في نقض ما تم من جهته فسعيه مردود عليه، فقولهم إن إمكان التوفيق يدفع التناقض على أحد القولين مقيد بما إذا لم يكن ساعيا في نقض ما تم من جهته والتقييد بدعوى المشتري مثال لأن البائع لو ادعى إقرار المشتري بأن المالك لم يأمره لم يقبل أيضا. قال في الخلاصة والبزازية: عبد معروف لرجل في يد آخر باعه رجل قال البائع بعت بلا أمر المالك وبرهن على إقرار المشتري أنه باعه بغير أمر المالك لا يقبل لتناقض ولا يملك تحليف المالك، وكذا لو ادعى المشتري أيضا فساد العقد دون البائع. وأصله أن من سعى في نقض ما تم من جهته لا يقبل إلا في موضعين: اشترى عبدا وقبضه ثم ادعى أن البائع باعه قبله من فلان الغائب بكذا وبرهن يقبل. الثاني وهب جاريته واستولدها الموهوب له ثم ادعى الواهب أنه كان دبرها أن استولدها وبرهن تقبل ونستردها والعقر اه‍. وعللوه في الثانية بأنه تناقض فيما هو من حقوق الحرية كالتدبير والاستيلاد والتناقض فيه لا يمنع صحة الدعوى. قال في فتح القدير: وعندي أن هذا غير صحيح لأنه إنما قبل في الحرية للخفاء ولا خفاء في التدبير والاستيلاء لأنه لا يخفي على الفاعل فعل نفسه فيجب أن لا يقبل تناقضه ولا يحكم ببينته اه‍. والجواب أمنه إنما قبل وإن كان متناقضا حملا على أنه فعل ذلك ثم ندم وتاب إلى الله تعالى فأقر بتدبيره أو استيلادها أو عتقه فقبل حملا لخروجه عن المعصية بخلاف التناقض في دعوى الملك فإنه غير مسموع. وفي البزازية: وقول المشتري بعد القبض أعتقه بائعه أو دبره أو كان حرا لأصل مقتصر على نفسه لا يتعدى إلى بائعه بلا بينة وولاؤه موقوف، فإن برهن رجع بالثمن واستقرار الولاء على البائع، وإن برهن على تحريره إن أقر بالبيع قبله من فلان إن صدقه فلان أخذ العقد لا إن كذبه اه‍. ومن فصل الاستحقاق لو أقر بعبد أنه ملك البائع واشترى منه ثم استحق منه فإنه يرجع بالثمن على البائع اه‍.
قوله: (وإن أقر البائع عند القاضي بان رب العبد لم بأمره بالبيع بطل البيع إن طلب المشتري ذلك) لأن التناقض لا يمنع صحة الاقرار لعدم التهمة فللمشتري أن يساعده فيه فينتفيان فينتقض في حقهما وهو المراد ببطلان البيع في عبارته لا في حق رب العبد إن كذبهما وادعى أنه كان أمره، فإذا لم ينفسخ في حقه يطالب البائع بالثمن عندهما لأنه وكيله وليس له مطالبة المشتري لبراءته بالتصادق. وعند أبي يوسف له أن يطالبه فإذا أدى رجع به على البائع بناء على إبراء الوكيل. ولو كان على العكس بأن أنكر المالك التوكيل وتصادقا أنه وكله، فإن برهن الوكيل لزمه وإلا استحلف المالك، فإن حلف لم يلزمه، وإن نكل لزمه.
ولو غاب المالك بعد الانكار وطلب البائع الفسخ فسخ القاضي البيع بينهما لأنه ثبت عند
(٢٥٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 251 252 253 254 255 256 257 258 259 260 261 ... » »»
الفهرست