جزء الآدمي وهو بجميع أجزائه مكرم مصون عن الابتذال بالبيع، أطلقه فشمل لبن الحرة والأمة وهو ظاهر الرواية، وعن أبي يوسف يجوز بيع لبن الأمة لجواز إيراد البيع على نفسها فكذا على جزئها. قلنا: الرق حل نفسها فأما اللبن فلا رق فيه لأنه يختص بمحل يتحقق فيه القوة التي هي ضده وهي الحي ولا حياة في اللبن فلا يكون محلا للعتق ولا للرق فكذا البيع، فشمل ما إذا كان في إناء أو لا، والأولى أن يقيد مراده بما إذا كان في وعاء كما قيده في الهداية لأن حكم اللبن في الضرع قد تقدم، وأشار المصنف إلى أنه لا يضمن متلفه لكونه ليس بمال وإلى أنه لا يحل به التداوي في العين الرمداء وفيه قولان: فقيل بالمنع، وقيل بالجواز إذا علم فيه الشفاء. هكذا في فتح القدير هنا. وقال في موضع آخر: وأهل الطب يثبتون نفعا للبن البنت للعين وهذه من أفراد مسألة الانتفاع بالمحرم للتداوي كالخمر. واختار في الخانية والنهاية الجواز إذا علم أن فيه الشفاء ولم يجد دواء غيره وسيأتي إن شاء الله تعالى تمامه في الحظر والإباحة. وقيد بلبن المرأة لأنه يجوز بيع لبن الانعام. قال الإمام الرباني محمد بن الحسن الشيباني: جواز إجارة الظئر دليل على فساد بيع لبنها وجواز بيع لبن الانعام دليل على فساد إجارتها.
قوله: (وشعر الخنزير) أي لم يجز بيعه إهانة له لكونه نجس العين كأصله فالبيع هنا لو جاز لكان إكراما وفي الخمر والخنزير كذلك لو جاز لكان إعزازا وقد أمرنا بالإهانة، وفي لبن المرأة لو جاز لكان إهانة لها وقد أمرنا بإعزاز الآدمي فالفعل الواحد وهو البيع هنا يجوز أن يكون إعزازا بالنسبة إلى محل وإهانة بالنسبة إلى آخر مثلا إذا أمر السلطان بعض الغلمان بالوقوف عند الفرش بحضرته كان إعزازا له، ولو أمر القاضي بذلك لكان إهانة له.
وحاصله أن جواز بيع المهان إعزاز له وجواز بيع المكرم إهانة له قوله: (وينتفع به) أي يجوز الانتفاع بشعر الخنزير دفعا لما يتوهم من منع بيعه ولكنه مقيد بالخرز للضرورة فإن ذلك العمل لا يتأتى بدونه ويوجد مباحا فلا حاجة إلى القول بجواز بيعه وشرائه حتى لو لم يوجد لم يكره