موضع آخر * (مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء) * (النساء: 143) فمن قال بالاستثناء في الايمان فهو من جملة المذبذبين اه. وفي الخلاصة والبزازية من كتاب النكاح عن الإمام أبي بكر محمد بن الفضل: من قال أنا مؤمن إن شاء الله فهو كافر لا تجوز المناكحة معه. قال الشيخ أبو حفص في فوائده: لا ينبغي للحنفي أن يزوج بنته من رجل شفعوي المذهب. وهكذا قال بعض مشايخنا ولكن يتزوج بنتهم. زاد في البزازية تنزيلا لهم منزلة أهل الكتاب اه. وذهب طائفة إلى تكفير من شك منهم في إيمانه بقوله أنا مؤمن إن شاء الله على وجه الشك مطلقا وهو الحق لأنه لا مسلم يشك في إيمانه. وقول الطائفة الأولى أنه يكفر غلط لأنه لا خلاف بين العلماء في أنه لا يقال أنا مؤمن إن شاء الله للشك في ثبوته للحال بل ثبوته في الحال مجزوم به كما نقله المحقق ابن الهمام في المسايرة، وإنما محل الاختلاف في جوازه لقصد إيمان الموافاة، فذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى منعه وعليه الأكثرون، وأجازه كثير من العلماء منهم الشافعي وأصحابه لأن بقاءه إلى الوفاة عليه وهو المسمى بإيمان الموافاة غير معلوم، ولما كان ذلك هو المعتبر في النجاة كان هو الملحوظ عند المتكلم في ربطه بالمشيئة وهو أمر مستقبل، فالاستثناء فيه اتباع لقوله تعالى * (ولا تقولن لشئ إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله) * (الكهف: 23) وقال أئمة الحنفية: لما كان ظاهر التركيب الاخبار بقيام الايمان به في الحال مع اقتران كلمة الاستثناء به كان تركه أبعد عن التهمة فكان تركه واجبا، وأما من علم قصده فربما تعتاد النفس التردد لكثرة إشعارها بترددها في ثبوت الايمان واستمراره وهذه مفسدة إذ قد يجر إلى وجوده آخر الحياة الاعتياد خصوصا والشيطان منقطع مجرد نفسه لسبيل لا شغل له سواك فيجب ترك المؤدي إلى هذه المفسدة اه. فالحاصل أنه لا فائدة في هذا الشرط وهو قول الطائفة الثانية أن لا يكون شاكا في إيمانه إذ لا مسلم يشك فيه، وأما التكفير بمطلق الاستثناء فقد علمت غلطه وأقبح من ذلك من منع مناكحتهم وليس هو إلا محض تعصب نعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، خصوصا قد نقل الإمام السبكي في رسالة ألفها في هذه المسألة: أن القول بدخول الاستثناء في الايمان هو قول أكثر السلف من الصحابة والتابعين ومن بعدهم والشافعية والمالكية والحنابلة ومن المتكلمين الأشعرية والكلابية قال: وهو قول سفيان الثوري اه. فالقول بتكفير هؤلاء من أقبح الأشياء. ثم اعلم أنه قد صرح في النهاية والعناية وغيرهما بكراهة الاقتداء بالشافعي إذا لم يعلم حاله حتى صرح في النهاية بأنه إذا علم منه مرة عدم الوضوء من الحجامة ثم غاب عنه ثم رآه يصلي فالصحيح جواز الاقتداء به مع الكراهة، فصار الحاصل أن الاقتداء بالشافعي على ثلاثة أقسام: الأول أن يعلم منه الاحتياط في
(٨١)